الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اشتدت عليّ مضاعفات السحر ويجدد لي باستمرار، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أُعاني من السحر منذ عشر سنوات، ولا أرغب في الذهاب إلى المشايخ، خشية أن يكونوا من الدجّالين، وهم كُثُر في هذا الزمن.

أُعاني من رؤية الجنّ في منتصف الليل، ليس في كل ليلة، ولكن في بعض الأحيان حين يشتدّ عليّ تأثير السحر والتعب، كما أُعاني من إرهاق شديد يمنعني أحيانًا من القدرة على المشي.

أُواظب على قراءة سورة البقرة، والأذكار، والذكر، والدعاء، وقيام الليل، ولكن تأتي عليّ أيام أتكاسل فيها، رغم حرصي على الاستمرار. لقد أرهقني الألم الجسدي والنفسي، خاصةً في علاقتي مع زوجي، إذ يُجدَّد السحر لنا شهريًا.

الحمد لله على كل حال، ولكنني الآن منهكة جدًّا، وأصبح العلاج الذي أُمارسه في المنزل غير مجدٍ، أو بالأحرى لا يُواكب تجدد السحر المستمر، وزوجي يرفض الذهاب إلى أي شيخ.

أصبحتُ أُعاني من نسيان حاد، وبدأ ذلك يؤثر على أولادي، كما زاد لديّ الوسواس، ولم أعد أتيقّن من شيء، حتى أولادي، بعدما كنت مفعمة بالصحة والنشاط، تغيّر كل شيء في حياتي إلى الأسوأ.

المصيبة الكبرى أن من يفعل السحر يسكن معنا في نفس البناية، ولا توجد فرصة للانتقال إلى بيت آخر.

صديقة لي رشّحت لي أحد الشيوخ، وحين أخبرتها أنه دجّال وليس راقيًا شرعيًا، اقترحت أن أذهب إليه، وقالت إنه سيُعالج زوجي وبيتي، ويجعل من يفعل السحر يتركنا وشأننا.

ما حكم الدين في ذلك؟ أعلم أنه ليس راقيًا شرعيًا، ولكنني تعبت، وأنا الآن في عزلة شديدة، ومريضة، وحالي لا يعلمه إلَّا الله، ولولا سفر زوجي لكنا قد انفصلنا، فهو لا يأتي إلَّا شهرين في السنة، وهما أسوأ شهرين في حياتي وحياته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم أحمد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلًا بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك وأن يعافيك وأن يصرف عنك البلاء والشرّ كله، وأن يردّ عنك كيد السحرة والظالمين، وأن يملأ بيتك سكينةً وإيمانًا.

لقد أصبتِ في خوفك من الدجالين، فزماننا قد كثر فيه المدّعون والمحتالون الذين يتاجرون بآلام الناس، فحسنًا فعلت حين رفضت الذهاب إليهم، فذلك من الورع والدين والعقل، ودعينا نجيبك من خلال ما يلي:

أولًا: حكم الذهاب إلى من يدّعي فكّ السحر بطرقٍ غير شرعية:

اعلمي -رحمك الله- أن الذهاب إلى السحرة أو الكهنة أو من يستعين بالجن أو العرافين حرام، بل من الكبائر العظام، فقد قال النبي ﷺ: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، ‌فَقَدْ ‌كَفَرَ ‌بِمَا ‌أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ» (رواه أحمد وابن ماجه والترمذي). وقال: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ ‌صَلَاة ‌أَرْبَعِينَ ‌يَوْمًا» (رواه أحمد).

فمن ادّعى أنه يعرف من فعل السحر، أو يستخدم الجنّ لمعرفة الغيب، أو لإبطال السحر، أو يكتب الطلاسم، أو يطلب اسم الأم، أو يأخذ شيئًا من أثر أو مالًا؛ فذلك دجّال لا يجوز الذهاب إليه أصلًا فضلًا عن تصديقه،وهؤلاء الدجّالون يزيدون في بلاء الإنسان، ولا يرفعون عنه شيئًا، ويستعينون بالجنِّ والشياطين في الإضرار بالناس، فيُدخلون إلى بيوت الناس شياطينَ جديدة وعندها يتفاقم الشرّ والعياذ بالله.

ثانيًا: شرع الله علاج السحر بالرقية الشرعية، لا بالسحر مثله، والرقية الشرعية طريقها معروف، وهي عبادة، لا سحر ولا شعوذة فيها، وقد ثبت في الحديث أن النبي ﷺ رقى نفسه ورقى غيره، فقد «كَانَ يُعَوِّذُ بَعْضَ أَهْلِهِ، يَمْسَحُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَيَقُولُ: ‌اللَّهُمَّ ‌رَبَّ ‌النَّاسِ، ‌أَذْهِبِ ‌الْبَاسَ، اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا» (رواه البخاري).

ثالثًا: علاج السحر يكون بوسائل مشروعة منها: المحافظة على قراءة سورة البقرة يوميًا أو الاستماع إليها، فهي طاردة للشياطين، ولا يستطيعها السحرة، فقد قال ﷺ: «لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ إِنَّ الشَّيْطَانَ ‌يَنْفِرُ ‌مِنَ ‌الْبَيْتِ ‌الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» (رواه مسلم)، وقال: «اقرؤوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ. فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ. وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ. ولا ‌يستطيعها ‌الْبَطَلَةُ» (رواه مسلم).

- الرقية الشرعية لنفسك ولمن في البيت.
- التحصين بالأذكار في الصباح والمساء، وأذكار النوم، وقراءة الآية الأخيرة من سورة الكهف كل ليلة.
- المداومة على الطهارة والوضوء، والإكثار من الدعاء في السجود.
- الصبر وعدم الخوف، فالساحر لا يملك أن يضرّ أو ينفع إلا بإذن الله، قال سبحانه: {وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}.

لذا نريدك أن تطمئني ، فالساحر مهما بلغ من شره لا يملك أن يغيّر قدرك، ولا أن يمنع رزقك، ولا أن يفرّق بينك وبين زوجك إلا إذا شاء الله ابتلاءً وامتحانًا، لتُؤجري على صبرك.

رابعًا: قد يكون ما تشعرين به من تعب ونسيان وأعراض نفسية ليس كله من السحر فقط، بل هو أيضًا إرهاق نفسيّ شديد، وتوتر مستمرّ بسبب الخوف والوساوس، لذلك ننصحك بالهدوء مع الالتزام بالرقية الشرعية والصحبة الصالحة والابتعاد عن الفراغ، والنوم على طهارة، مع الاستمرار على ذلك.

خامسًا: الجزم بأن الفاعل هو (زيد) أو (عبيد) ضرب من الوسوسة المحرمة، فلا تستمعي لهذا النداء لكن في نفس الوقت لا تتركي التحصين اليومي، ولا تدخلي مع من شككت في خصومة مباشرة، مع الإكثار من الدعاء بالشفاء.

وأخيرا: السحر بلاءٌ لكنه لا يدوم، والشفاء بيد الله وحده، وما دمت تقرئين القرآن وتصلين وتذكرين الله، فأنتِ في طريق النور، ولا تيأسي إن تأخّر الشفاء، فالأمر كلّه بيد الله، فربما أراد الله أن يطهّرك ويرفعك درجات، ويكفّر عنك سيئاتك، وقد قال النبي ﷺ: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ ‌يُشَاكُهَا ‌إِلَّا ‌كَفَّرَ ‌اللهُ ‌بِهَا ‌مِنْ ‌خَطَايَاهُ» (رواه البخاري).

والخلاصة:
- لا تذهبي إلى أيّ من يدّعي معرفة الغيب أو يستخدم الجن.
- استمري على الرقية الشرعية في البيت.
- استعيني بطبيبة نفسية إن احتجتِ لذلك.
- أكثري من الدعاء والصبر، والله ناصرك ولو بعد حين.

نسأل الله أن يحفظك من كل مكروه وسوء، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً