الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والدتي تفتش هواتفنا وحساباتنا الاجتماعية دون إخبارنا!

السؤال

أودّ الاستفسار عن الحكم الشرعي للتجسس على هواتف البنات أو تفتيشها دون علمهن، فوالدتي تقوم بتفتيش هواتفنا ومتابعة حساباتنا على وسائل التواصل الاجتماعي دون إخبارنا، كما أن حساباتي الشخصية مفتوحة لديها على هاتفها، ثم تغضب إذا وجدت شيئًا، سواءً كان محرّمًا، أو غير ذلك، فهل هذا الفعل جائز شرعًا؟ وهل يحقّ لي شرعًا أن أشعر بالانزعاج من وجود حساباتي الخاصة على هاتفها دون رضاي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رنا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب، نشكر لكِ تواصلكِ بالموقع، كما نشكر لكِ حرصكِ على معرفة الأحكام الشرعية، ونسأل الله تعالى أن يوفقكِ للخيرات دائمًا، وأن يرزقكِ برّ أُمَّكِ، والإحسان إليها.

نحن نتفهم -ابنتنا الكريمة- انزعاجكِ من كون أُمَّكِ تريد الاطلاع على شيءٍ من خصوصياتكِ ومعرفة تواصُلاتكِ مع الآخرين، ولكن هذا الانزعاج يطرده عنكِ أن تتذكّري أمورًا مهمة، أول هذه الأمور: أن تتذكّري أن أرحم الناس بكِ وأكثرهم حُبًّا لكِ في هذه الحياة هما أُمَّكِ وأبوكِ، والأم في ذلك أكثر وأشد، وهذه الرحمة تدفع الوالدين لعمل كل ما يمكن فعله لحماية الولد من أي شيء يؤذيه.

وقد بيّن لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- طرفًا من رحمة الوالد والوالدة بأبنائهم وبناتهم، ومن ذلك أنه -صلى الله عليه وسلم- لما رُفع إليه ابنٌ لابنته وهو في سياق الموت بكى، ثم قال عليه الصلاة والسلام: «هذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ»، فهو يبكي ابن ابنته، ويُخبر بأن هذه رحمة جعلها الله تعالى في قلبه لولده.

وفي حديث آخر، أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُطيل الصَّلاة، ولكنه سمع بكاء طفل، فقال -عليه الصلاة والسلام- وقد خفَّف الصلاة بعد أن سمع بكاء الطفل: «إِنِّي لَأَقُومُ فِي الصَّلَاةِ، فَأُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي، كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ»، بيّن أن الأم تتألم ويشقّ عليها إذا سمعت بكاء صغيرها، وهناك أحاديث كثيرة تُبيّن هذا المعنى.

فلن تجدي في هذا الكون أحدًا بعد الله -سبحانه وتعالى- يرحمكِ ويحبّ لكِ الخير أكثر من أُمَّكِ، فتفهّمكِ لهذه الحقائق وتذكّركِ لها يطرد عنكِ هذا الانزعاج، وتعرفين أن هذا الفعل الذي تفعله أُمَّكِ دافعه هو الحرص على مصالحك، فتلتمسين لها الأعذار، وتحاولين التعاون معها لتحقيق هدفها، والحفاظ في نفس الوقت على مصالحك أنت.

ثانيًا: ينبغي أن تُدركي -ابنتنا الكريمة- أن الإنسان عُرضة للغلط والخطأ، والشيطان قاعد له في طُرقه كلها، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ كُلِّهَا»، والشيطان إنما يأكل ويفترس الإنسان المنفرد، كما شبّهه النبي -صلى الله عليه وسلم- بالذئب، فقال: «إِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنَ الْغَنَمِ الْقَاصِيَةَ» يعني المنفردة.

فاختلاؤكِ بهذه الأدوات من أدوات التواصل لا يُؤمن معها أن تقعي في شيء من الخطأ، أو أن يجُركِ الشيطان إلى شيء ربما تندمين عليه، ولهذا ينبغي أن تتخذي من متابعة أُمَّكِ لك وحرصها عليكِ، ينبغي أن تجعلي ذلك معينًا لك وحارسًا لك، فلا تنزعجي منه، بل حاولي الاستفادة منه بقدر الاستطاعة.

نحن ننصحكِ بأن تكوني أكثر وضوحًا مع أُمَّك، وأن تحاولي طمأنتها، وإرسال رسائل الطمأنة إليها، عن طريق تمكينكِ لها من أن ترى ما تريد أن تراه من أدوات التواصل الخاصة بك؛ حتى تطمئن على حالتكِ، ويذهب عنها ما قد تجده من قلق عليك.

أمَّا إذا وجدت أُمَّكِ أشياء محرّمة في هذه الأدوات؛ فإن هذا ممَّا يؤكّد حقَّها في أن تفعل ما ذكرته أنت، فإنك لا تزالين تحت رعاية الوالدين وتحت مسؤوليتهما، والله تعالى سيسألهما عنك، فيجب عليهما أن يمنعاك من أي شيء يضرّكِ في دينكِ أو في دنياكِ.

وليس حرامًا على الوالدين أن يُفتّشا في هواتف الأبناء والبنات ما دام ذلك لتحقيق مصلحة الأبناء والبنات والحفاظ عليهم من الوقوع في الخطأ والزلل.

نرجو -إن شاء الله- أن تكوني قد تفهّمتِ الأمر بالشكل الأفضل والأحسن، والذي يساعدك على كثير من الاطمئنان، وعلى الحفاظ على مصالحك، والابتعاد عن كل شيء يؤذيك.

نسأل الله تعالى أن يُوفقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً