الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اكتشفت أن ابني يسرق ويكذب!!

السؤال

ابني عمره 14 سنة، اكتشفت أنه يسرق ويكذب، حدث ذلك منه عندما كان عمره 6 سنوات، وكنت حينها أتحدث معه عن الصدق والقناعة، لكن والده -رحمه الله- كان يضربه بشدة في ذلك الوقت.

راقبته فترة طويلة ولم أجد عليه شيئًا، لكن اليوم اكتشفت أنه يسرق مني ويكذب، واجهته وكنت منهارة، فاعترف ووعدني أنه لن يفعل ذلك مرة أخرى.

كيف أستطيع أن أساعده؟ فهو يصلي، ويُعد أفضل إخوته في كل سلوكياته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم محمد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكركم لتواصلكم معنا، وثقتكم بموقعنا.

لقد قرأت رسالتك بعناية، وتلمست حجم الألم والصدمة التي تشعرين بها، خاصة وأنك ترين ابنك في صورة الابن البار والمصلي، وفجأة تكتشفين سلوكاً لا يشبهه، شعورك بالانهيار هو رد فعل طبيعي للأم الحريصة التي تخاف الله في ذريتها، ولكننا نريد الآن أن نحول هذا الألم إلى طاقة بناء وإصلاح، مستعينين بالله عز وجل.

أولاً: أختي الكريمة، من المهم جداً أن ننظر إلى المشكلة بعين الرحمة والفهم قبل العقاب، ابنك الآن في سن الرابعة عشرة، وهي مرحلة المراهقة الحرجة التي تتسم بالبحث عن الذات واختبار الحدود.

لفت انتباهي بشدة إشارتك إلى قسوة والده -رحمه الله وغفر له- في صغره، في علم النفس التربوي: القسوة الشديدة والضرب المبرح غالباً ما يولد سلوك الكذب الدفاعي؛ فالطفل لا يكذب لأنه سيئ، بل يكذب لينجو بنفسه من الألم، وقد يكون ما يحدث الآن هو رواسب لتلك المرحلة؛ حيث لم يتعلم الصراحة كقيمة آمنة، بل تعلم الإخفاء كوسيلة للنجاة، عودته للسرقة قد تكون مؤشراً على احتياج غير ملبى، سواء كان مادياً، أو نفسياً (لفت انتباه)، أو حتى شعوراً بالحرمان العاطفي يحاول تعويضه بامتلاك الأشياء.

ثانياً: خطوات عملية ومنهجية للعلاج:
1. رد فعلك بالانهيار والبكاء أمام ابنك يدل على حبك الشديد، ولكنه قد يشعره بذنبه العظيم مما قد يدفعه لليأس، أو الإخفاء مستقبلاً خوفاً عليكِ، حاولي أن تكوني هادئة وحازمة في آن واحد، أخبريه أنك حزينة بالفعل، لكنك واثقة فيه، وفي معدنه الطيب، قولي له: أنا أكره السرقة، لكني أحبك أنت، وأعلم أن هذا السلوك لا يليق بشخص يصلي، ويخاف الله مثلك.

2. بما أن والده -رحمه الله- كان يستخدم الشدة، فعليك أنتِ الآن استخدام الاحتواء، لا تجعليه يشعر بأنه تحت المجهر البوليسي طوال الوقت؛ لأن هذا يولد العناد، بدلاً من ذلك، نمّي فيه وازع مراقبة الله (المراقبة الذاتية)، ذكريه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها" قولي له: يا بني، أنا قد لا أراك، لكن الله يراك، وصلاتك تنهى عن الفحشاء والمنكر، فاجعل صلاتك حارساً لك.

3. اجلسي معه جلسة مصارحة هادئة في وقت صفاء (ليس وقت اكتشاف الخطأ)، اسأليه بحنان: يا بني، هل ينقصك مصروف؟ هل هناك شيء يضغط عليك، وتحتاج لمال من أجله؟ في هذا العمر، قد يسرق المراهق ليجاري أصدقاءه، أو ليشتري أشياء يخجل من طلبها، إذا كان مصروفه قليلاً مقارنة ببيئته، حاولي زيادته بالمعقول، أو اتفقي معه على طرق لكسب المال الإضافي عبر المساعدة في مهام المنزل، ليتعلم قيمة المال والجهد.

4. بما أنه اعترف، ووعدك بعدم التكرار، فهذه خطوة إيجابية جداً تدل على يقظة ضميره، اقبلي اعتذاره، وعلميه مفهوم الستر والتوبة، قولي له: يا بني، الله ستير يحب الستر، وقد سترك الله لتتوب، فلنفتح صفحة جديدة، واعلم أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، شجعيه على الصدقة البسيطة من مصروفه الخاص لتطهير نفسه، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾.

5. ذكرتِ أنه أفضل إخوانه سلوكاً ويصلي، هذا كنز عظيم، ركزي على هذه الإيجابيات، وامدحيه بها أمام إخوته (دون ذكر مشكلة السرقة)، قولي: فلان ما شاء الله محافظ على صلاته، ومسؤول؛ هذا التعزيز الإيجابي يجعله يخجل من أن يلوث هذه الصورة النقية بسلوك مشين.

ثالثاً: الدعاء سلاحك الأقوى، خاصة دعاء الأم، والده -رحمه الله- قد أفضى إلى ما قدم، فلا تذكري قسوته السابقة أمام الابن بسوء، بل ترحمي عليه، وأخبري ابنك أن والده كان يحبه، ويريد مصلحته، لكن طريقته كانت شديدة، وأننا الآن نريد أن نكون صادقين حباً في الله، ورغبة في الجنة، لا خوفاً من العصا.

أسأل الله أن يصلح ابنك، وأن يقر عينك بهدايته، وأن يجعله من الصادقين الأمناء، وأن يعوضك خيراً في تربيته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً