الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لقاءات ومحادثات ما قبل الخطبة

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أعرف شاباً وفتاة يحب بعضهما الآخر لدرجة لا توصف، فكانت البداية أن الشاب من حسن النية قدّم معروفاً أو ساعد البنت في حل مشكلة ما، فجرى بينهما الاتصال الهاتفي، ومع مرور الأيام وجد بينهما الحب فاتّفقا على الزواج، وعرضت البنت أمرها على ولي أمرها فنصحها بالتريث، وللعلم هي تسكن في دولة غير الدولة التي فيها ولي أمرها.

وهما الآن يريدان أن يذهبا مع بعض لتناول وجبة الطعام مثلاً في مطعم ما ونصحتهما، وقلت لهما: هذا لا يرضي الله، وهذا من المنكر ولا يجوز، ولكن يحتجون بأنهما يريدان الخير والنظر إلى البعض عن قرب قبل الزواج، علماً أنه قد سبقت جلسة النظرة من قبل.

وأيضاً ما زالا يتصل كل واحد بالآخر ليل نهار، وقد نصحتهما بأن هذا منكر، وأن هذا الاتصال من الأسباب التي زادت المحبة بينكما لدرجة جنونية، وقد يؤدي بكم هذا إلى ما لا تحمد عقباه، وللعلم يعترفون بأن الكلام صحيح، ولكن سرعان ما يعودون إلى ما هم عليه، فما هي رسالتكم لهما؟

وللعلم أيضاً قد يتأخر النكاح والكتاب قليلاً لظروف ما ولكنهما يريدان أن يلتقيا مع بعض قبل كتابة الكتاب، فما نصيحتكم لهما وكيف أقنعهما؟

وجزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو الحسن .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:

يسرنا أن نرحب بك مرة أخرى في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، كما نسأله تبارك وتعالى أن يجعلك من الدعاة إليه على بصيرة، ومن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وأن يصرف السوء وكيد الشيطان عن هذا الشاب وتلك الفتاة، وألا يجمع بينهما إلا في الحلال الطيب المبارك.

بخصوص ما ورد برسالتك فأقول: زادك الله حرصاً وغيرة على دين الله تعالى، وهذا شأن المسلم الصادق الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويغار على حرمات الله عز وجل، وأسأل الله أن يجعلك من الصادقين الصالحين.

وأما عن هذا الشاب وتلك الفتاة فإنه مما يؤسف له أن العلاقة غير المشروعة عادة ما تتصف بنوع من الحميمة والقوة في أول أمرها؛ لأن الشيطان يؤجج هذه العواطف ويثير المشاعر والغرائز، ويحرص على أن يجذب كل طرف إلى الآخر بقوة وعنف؛ ولذلك أنت تقول بينهما حبٌ وصل إلى درجة لا توصف، وهذه طبيعة العلاقات التي ليست مشروعة، إذ أنها تصل أحياناً إلى درجة العبودية، يعبد كل طرف صاحبه، ويحرص على تنفيذ أوامره، بصرف النظر عن كونها ترضي الله تعالى أو تغضبه، وهذا - كما ذكرت - سمة من سمات العلاقات المحرمة والتي ليست مشروعة.

هذه العلاقة تصل إلى درجة العشق، والعشق هو من أعلى درجات التعلق القلبي، يصل الإنسان إلى درجة العشق والهيام حتى يصل إلى درجة العبودية؛ لأن العبودية نوع من أنواع العشق، ونوع من أنواع الحب، ولكنها في أرقاه وأسماه؛ ولذلك جعل الله تبارك وتعالى علاقة عبده قائمة على أساس العبودية، أي الحب الخالص الذي لا يوصف والذي لا يعلو فوقه حب، ومن هنا قال جل وعلا: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}.

فهذا الأمر عندما يكون الإنسان صاحب دين ضعيف أو صاحب إيمان غير كامل، فإنه إذا تعلق بشيء سوى الله أعطاه كل شيء، وملك هذا المحبوب عليه قلبه وعقله وبدنه وجوارحه؛ ولذلك هذا الذي ذكرته من تعلقهما شيء طبيعي؛ لأن هذه العلاقة ليست بعلاقة شرعية، وإنما هي علاقة خرجت عن إطار الشرع، رجل يحب امرأة بغير حق شرعي، فلا هي له بزوجة ولا هو لها بزوج، وأيضاً هي ليست له بأخت وهو ليس لها بأخ، حتى لو كانا أخوين ما كان بينهما مثل تلك العلاقة العنيفة القوية؛ ولذلك أحب أن أقول لهما، وأحب أن تنقله لهما أو يقرءانه:

إن الوقوع في المعاصي والبعد عن طاعة الله بمثل هذه العلاقات يؤدي إلى حرمانكما من الغاية التي أردتماها، فإن شؤم المعصية خطير وعظيم، وشؤم المعصية يأتي من العلاقات غير المشروعة: كلام واتصالات ولقاءات، وقد يترتب على ذلك بعض التصرفات الجسدية من ضمٍ أو تقبيل أو غير ذلك... هذا قد يفسد المشروع كله؛ لأن ما عند الله تعالى لا يصل إليه العبد إلا بطاعة الله، أما إذا سلك العبد سبيل المعصية فإنه يحرم هذا الشيء الذي يحبه؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والمعاصي، واعلموا أن العبد يُحرم الرزق بالذنب يصيبه، وقد كان هُيأ له).

وكثيراً ما حدث هذا في حياة الناس، أن تبدأ العلاقة بطريقة غير مشروعة وتستمر لسنوات يزينها الشيطان ويجملها وتحدث النظرات واللقاءات والمقابلات، وتحدث هناك بعض الاحتكاكات الجسدية ثم تكون النتيجة أن يتخلى هذا الشاب عن هذه الفتاة أو أن تشعر هي بعد هذه الرحلة بعدم الميل نحوه.

هما الآن يحب بعضهما بعضاً لهذه الدرجة، ولكن أقول لهما: صدقوني، لو أن هذه العلاقة ترتب عليها أكثر من ذلك من الاتصالات والمقابلات واللقاءات فسوف تفسد هذه العلاقة، وسوف تُحرمان من بعضكما البعض؛ لأن هذا شؤم المعصية؛ ولذلك إذا كنتما فعلاً تريدان الزواج فالأولى أن يظل كل واحد في مكانه، وأن تتوقف حتى هذه الاتصالات، وأن تتوجها إلى الله تبارك وتعالى بالدعاء أن يجعل كل واحد منكم صاحبه من حظه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يرد القضاء إلا الدعاء)، وقال أيضاً: (إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء)، وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء).

فإذا أراد الإنسان أن تتحقق له أمنيته ورغبته فليكثر من الطاعة وليكثر من العبادة وليكثر من الدعاء حتى يكرمه الله بتحقيق ما يتمناه، وتحقيق غايته، أما إذا سلك سبيل المعصية فإنه قد يُحرم من هذه النعمة، وذلك بسبب المعصية؛ ولذلك لو نظرنا معاً إلى كل العقوبات التي وقعت لأهل الأرض عبر التاريخ وجدنا أنها كانت بسبب المعاصي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام: (واعلموا أن العبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه وقد كان هُيأ له).

فعليكما بالصبر، ولن ينال ما أحل الله إلا بما أحل الله، فلو أنكما توقفتما الآن عن هذه الاتصالات - لأن هذا كله من الشيطان - وأيضاً عن الرغبة في اللقاء، والرغبة بحجة النظر إلى بعضنا البعض ما دامت قد نظرت إليه من قبل ونظر إليها، وما دامت تحبه ويحبها إذن فاللقاءات لن تزيد الأمر إلا اشتعالاً، ولن تزيد هذه العلاقة إلا تأججاً، وسيظل الشيطان يأجج هذا الاشتعال وهذا التأجج، ويضع بترولاً على هذه العلاقة حتى يقع فعلاً ما لا يرضي الله تعالى وما لا تحمد عقباه، فقد تحدث هناك بعض القبلات وبعض الأحضان وبعض الضمات، وقد يحدث هناك أكثر من ذلك وهو الوقوع في الحرام الأكبر – والعياذ بالله تعالى – ثم بعد ذلك يبدأ الفتى يتخلى عن الفتاة، ويشعر بأن محبته لها بدأت تضعف وهي أيضاً تشعر أيضاً أن محبتها له بدأت تضعف؛ ولذلك أنصحكما بتقوى الله تعالى، وإذا كنتما صادقين فعلاً في المحبة فما عليكما إلا التوقف الآن عن ذلك، والإسراع في أمر الزواج.

فبدلاً من الانتظار الآن حتى تحرق النار الأخضر واليابس فلماذا لا تطلبا من أسرتكما الإسراع في الزواج حتى يكون الأمر شرعياً، وحتى تتوج هذه العلاقة الحميمة بالنكاح الشرعي – بالزواج – حتى تكون الفتاة حلالاً للشاب، والشاب حلالاً لها؟ ولذلك ليس أمامكما إلا التوقف عن هذا الأمر نهائياً إذا كنتما صادقين وراغبين في أن يكون كل واحد منكما لصاحبه، ولأنه كما قال صلى الله عليه وسلم: (لم تر للمتحابين مثل النكاح)، فعليكما بالإسراع في ذلك لئن يجمعكما الله تعالى في بيت الزوجية تحت سقف واحد وتحت ظل السكينة والمودة والرحمة.

فعليكما بالصبر الجميل، والصبر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً).

إذًا عليكم بالتعجيل بالنكاح، والتغلب على هذه الظروف، وعدم الوقوف أمام الإجراءات الشكلية؛ لأنه لا علاج لهذا الحب إلا الزواج، فلا علاج له ولن تطفأ هذه النار إلا باللقاء الجسدي، وهذا اللقاء الجسدي لن يكون حلالاً إلا إذا كان في إطار الزواج، ولذلك نقول عجِّلا بالزواج واضغطا على أسرتكما حتى يكرمكما الله تبارك وتعالى بعدم الوقوع في المعاصي ويعصمكم من الزلل، وأن يكون كل واحد منكما لصاحبه كما أراد واشتهى وتمنى.

نسأل الله تعالى لك التوفيق، ونسأل الله لهما العفاف والحياء وعدم الوقوع في المعاصي، وأن يحقق الله رغبتهما باللقاء المشروع في ظل الكتاب والسنة.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً