الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاندماج في المجتمع مع الحنين إلى زمن العزلة والوحدة

السؤال

أحب الهدوء والعزلة وقلة الكلام، ولكن كل من حولي أشعروني بأني شيء شاذ، فتركت ما أنا عليه.

الآن أنا شخصية أخرى اجتماعية، ولكني أحنّ كثيراً لما كنت عليه، أشعر أني في الماضي كنت من الله أقرب، وأن نفسي كانت راضية عن نفسي، كنت أقضي أوقاتاً طويلة في الصلاة والدعاء، أستشعر بقدر كبير كيف كان الصمت يقربني إلى الله، وكيف أنه ممدوح في الدين.

أعلم أني كنت هادئة كثيراً، وأعلم أني الآن أفضل مما كنت عليه، حاولت بقدر الإمكان أن أتكيف مع الأمر الواقع، ولا أعلم هل أعود لما كنت عليه أم أظل هكذا؟ وهل أنا مريضة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ علا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إنه حين قرأتُ رسالتك من الوهلة الأولى اعتقدتُ وظننتُ أنك تعانين من شخصية انطوائية، ولكن بعد أن تأملت وتصفحت بقية الرسالة وأنك قد تحورت وتحولت من إنسان منعزل إلى إنسان اجتماعي هذا قضى على شكوكي تماماً، وهو أنك لا تعانين حقيقة من شخصية انطوائية، إنما الذي كان يحدث هو أنك قد تعودت على نمط معين في حياتك، وبعد أن انتقدك الآخرون قمت بتغيير مسارك الاجتماعي.

أيتها الفاضلة الكريمة! أنا أقول لك أنه شيء جميل وعظيم أنك تضعين أمر الدين على رأس أسبقياتك الحياتية، هذا شيء حقيقة تحمدين وتشكرين عليه، وأسأل الله أن يثبتك ويثبتنا جميعاً على المحجة البيضاء، وأن يزيدك علماً وتقوى ومعرفة وتقرباً من الله تعالى...هذا هو الأمر الذي نبدأ به.

أما الأمر الثاني فهو أن الوسطية دائماً هي الأفضل، والالتزام بالدين ليس من الضروري أن يمنع الإنسان حيوية من الناحية الاجتماعية، بل على العكس تماماً الإنسان حينما يكون متواصلاً اجتماعياً ولديه مهارات طيبة ويحمل الرسالة الإسلامية الدعوية، هذا خير له وخير للدين أيضاً، ولكن أن يكون الإنسان منعزلاً ومبتعداً حتى وإن صلى وصام الدهر، لا أعتقد أن ذلك أمر محبذ، وقد قال النبي صلى الله عليهِ وسلم: (المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس).

أنا أريدك أن تكوني وسطية، أريدك أن تصلي صلواتك في وقتها، وأن يكون لك ورد قرآني ثابت، وعليك بالدعاء وعليك بالذكر، وعليك بمكارم الأخلاق، وأنت على دراية كاملة بهذا الأمر، وفي نفس الوقت عليك أن تجتهدي - أيتها الفاضلة الكريمة - في دراستك، وأن يكسب الإنسان العلم والمعرفة، فهذا من الأمور التي حتم عليه ديننا الإسلامي الحنيف، كما قال صلى الله عليهِ وسلم: (إن الله وملائكته ليصلون على طالب العلم رضا بما يصنع) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

نحن أمة العلم، نحن أمة {اقرأ}، لا تنسي هذا - أيتها الفاضلة الكريمة - وسلاح العلم والدين سوف يفيدك ويفيد أسرتك ويفيد مجتمعك قاطبة، ويرفع من شأنك وشأن أسرتك، كما قال تعالى: (( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ))[المجادلة:11].

أنا أريدك أن تكوني وسطية، وأنصحك بحسن إدارة الوقت، وهذا فن من الفنون الآن، كثير من الناس تختلط عليه الأمور لأنه يضيع وقته فيما لا فائدة فيه، وبعد ذلك يجد أن الكثير من الواجبات والكثير من النشاطات التي كان لابد أن يقوم بها لم يدركها لأنه قد ضيع أوقتاً ثمينة.

المؤمن كيس فطن، ومن أهم ما يمكن أن يُقدم عليه المؤمن خاصة في سنك هذه -وهذه سن الشباب المُتقدة بالطاقات النفسية والجسدية والعاطفية - أن يرتب وقته ترتيباً جيداً.

خصصي وقتاً للدراسة، ووقتا للراحة، ووقتا للعبادة، ووقتا للترفيه عن النفس، ووقتا للتواصل الاجتماعي... هذا كله ممكن، وليس بالصعب أبداً.

ضعي خارطة ذهنية يومياً أو يمكنك حتى أن تكتبي في ورقة نوعية النشاطات التي يجب أن تقومي بها، وسوف تجدين - أيتها الفاضلة الكريمة - في نهاية الأمر أنك قد أديت ما عليك، وهذا إن شاء الله يُشعرك بالرضا تماماً.

أنا أقول لك: لا انعزال ابداً، ولا عزلة، ولا رهبانية في الإسلام، وفي نفس الوقت لا أقول لك أن تكون الأمور فوضى وأن يضيع وقتك الثمين فيما لا يُجدي.

كوني وسطية، كوني توافقية مع نفسك ومع من حولك، وأديري وقتك بصورة جيدة، وأسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد، وأشكرك كثيراً على سؤالك هذا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً