الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عدم القدرة على التركيز... الأسباب والعلاج

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

في البداية أحب أن أشكر القائمين على الموقع، وبالأخص الدكتور محمد عبد العليم، على ردوده الطبية والمشجعة.

أواجه مشكلة تقلقني جداً، وتعيقني عن تحقيق بعض طموحاتي التعليمية والتطويرية، فبعد بحث طويل توصلت إلى الشيء العائق والمسبب لتدني المستوى الواضح، وهو عدم استطاعتي على التركيز والإنصات بشكل جيد للملقي أو المتحدث، وشعوري بشيء مثل الموجة الضبابية داخل رأسي، تمنعني من الإنصات أو التركيز مع الشخص، وأعلم في ذلك الوقت أني لست في حالة تركيز، فأجبر نفسي على أن أركز، ولكن دون جدوى!

أرجو من الدكتور تشخيص هذا النوع من الحالات، مع العلم أن هذه المشكلة تعتبر عائقاً كبيراً لي، وأيضاً أرجو من الدكتور الحديث عن Amygdala وهل لها علاقة بالتركيز؟

ملاحظة: لا أحب استخدام الأدوية الطبية، لما لها من آثار جانبية على البدن، وشكراً لكم، وأنا أقدر جهودكم العظيمة في خدمة الإسلام والمسلمين.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو سامي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فهذه الضبابية في التفكير وما ينتج عنها من صعوبات في التركيز هي دليل قاطع على وجود قلق نفسي، وأعتقد أن هذا القلق لديك أيضاً أخذ الطابع الوسواسي، بمعنى أن نوبات القلق الأولى لم تشعر بها بوضوح، وكل الذي حدث هو هذه الضبابية في التفكير، وبعد ذلك ترسخت لديك هذه الفكرة وبدأت تأخذ الطابع الوسواسي، بمعنى أنه حين تواجهك صعوبة بسيطة في التركيز، أو عدم الانتباه، تتولد لديك هذه المشاعر السلبية بأن الحالة قد أتتك، وأن تركيزك ليس جيداً، وأن هذا قد أضعف طموحاتك من أجل التلقي والتعلم والتطوير.

أخي الفاضل: الأمر ليس له علاقة بالـ Amygdala، وAmygdala أو ما يعرف باللوزة، هي المركز الذي من خلاله يعبّر عن العواطف، لا شك أن اللوزة لا تعمل وحدها، إنما هي جزء صغير في الدماغ، وبالرغم من صغرها إلا أنها مهمة جداً، ومعظم عملها يكون من خلال تواصل دقيق مع بقية الأجزاء في الدماغ، خاصة الأجزاء الموجودة في الفص الصدغي، فهي تعبّر عن العواطف أكثر من موضوع التركيز.

القلق كثيراً لا يظهر في صورة قلق واضح، أي بمفهومه التقليدي، المعروف أن يحس الإنسان بالضيقة وعدم الارتياح، وشيء من التوتر والعصبية، ليس من الضروري أن يكون القلق هكذا، وحتى الاكتئاب أيضاً ليس من الضروري أبداً أن يظهر في شكل كدر وشعور بالسوداوية، نحن في زمان أصبحت فيه الأعراض النفسية متداخلة، وأصبح الكثير مما يحدث لنا من صعوبات قد لا نفهم طبيعتها، وفي نهاية الأمر يتضح أنها تنتج من هذه الحالات النفسية البسيطة، فالتفسير الذي أراه أن حالتك هي حالة قلقية بسيطة، وأخذت الطابع الوسواسي مما جعل التفكير السلبي يتطور لديك بصورة جعلتك تحس أن هنالك محدودية في طموحاتك التعليمية والتطويرية.

أخي الكريم: أتمنى أن يكون هذا التفسير مفيدا لك، لتتخلص من هذه المشاعر السالبة، ويجمع الكثير من علماء النفس، وعلى رأسهم الأستاذ الدكتور آرون بك، وهو عالم سلوكي كبير ومعروف، ولا زال على قيد الحياة، يقول: إنه من أكبر ما يواجهنا من مشاكل فيما يخص البناء المعرفي بالنسبة لنا كبشر، هو أن بعض الأفكار السلبية المشوهة تتسلط علينا، ويمكن أن يكون هذا منذ الصغر، وتبدأ هذه الأفكار السلبية المشوهة في الازدياد
والتمركز والتمحور بصورة جوهرية، مما يقلل من طموحاتنا ومن مشاعرنا حيال أنفسنا، وننظر إلى الماضي بسلبية، والمستقبل بشيء من اليأس، والحاضر بشيء من اللامبالاة، فالتغيير الفكري المعرفي الإيجابي مهم، والإنسان يجب أن يتأمل دائماً في مقدراته.
أنت رجل شاب ومهندس في هذه الأمة الإسلامية العظيمة، ولا شك أن لديك أشياء أخرى إيجابية وطيبة كثيرة في حياتك، فتأمل وتدبر في هذه الإيجابيات.

أعرف أن ذلك يتطلب الجهد والكثير من التركيز واليقين، والإيمان بذلك، هذه كلها يجب أن تبني فكرا إيجابياً لديك يزيد من طموحاتك ومن مقدراتك، ولابد للإنسان أن يكون واضحاً مع نفسه، ويقبل ذاته، ثم يسعى لأن يطور ذاته، من خلال وضع أهداف في حياتنا، الهدف الأساسي لوجودنا هو أن نساهم في عمارة هذه الأرض، وهذا يأتي بالتزامنا حيال أنفسنا وحيال الآخرين، بأن نكون دائماً يداً عليا، أن نساهم، أن ندير أوقاتنا بصورة صحيحة، أن نؤمن بروح الجماعة وروح الفريق، وأن نشعر بالانتماء إلى عقيدتنا، لأوطاننا، لأسرنا، لمجتمعنا، لأنفسنا، وهذا يساعدنا في تحديد الهوية والوصول إلى الأهداف، وهذه هي المشاكل التي تواجهنا الآن في مجتمعاتنا.

أخي الكريم: أرى أن حالتك بسيطة، فقط تحتاج لشيء من الدفع الفكري الإيجابي، ولا أعتقد أنك في حاجة إلى تناول أدوية نفسية، أنت لست مريضا، وحتى درجة القلق التي لديك يمكن التخلص منها بشيء من تبديل الفكر إلى فكر معرفي إيجابي بممارسة الرياضة، إدارة الوقت بصورة طيبة، توسيع شبكتك الاجتماعية، تطوير مهاراتك على المستوى الوظيفي وعلى المستوى الاجتماعي، وهذا كله - إن شاء الله - يعطيك دفعا إيجابياً إلى الأمام.

وللاستفادة يمكنك الاطلاع على الاستشارات حول علاج عدم التركيز سلوكياً (226145 _264551) وأشكرك كثيراً، وسعدت جداً برسالتك، وأسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • ألمانيا العمري

    تفسير منطقي جدا مشكور يا استاذ

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً