الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ابنتي عمرها 10 سنوات وتسرقني.. كيف أتعامل معها؟

السؤال

سيدي السلام عليكم ورحمة الله

لي ثلاث أطفال أكبرهم تبلغ 10 سنوات، وظلت طفلة وحيدة حتى بلغت 6 سنوات، وذلك لأنها مريضة بالصرع وتتعالج بالدباكين، وهو مسيطر على النوبات منذ كان عمرها عشر شهور, وبعد فترة وإلحاح من زوجي أنجبت طفلين الثاني عمره 5 سنوات والأخير عمر 3 سنوات، وعلاقتي أنا وزوجي مليئة بالخلافات ونعيش في أحد الدول العربية بعيدا عن بلدنا الأصلي وعلاقتنا الاجتماعية محدودة جدا..

مشكلتي يا سيدي مع ابنتي الكبرى فهي متأخرة دراسيا جدا حتى إن مدرستها لا تريدها وطالبت بنقلها، ولكن الأمر الأسوء هو عنفها الشديد مع أخوتها والآخرين ودائما تعتقد أن الجميع يكرهها ولا أحد يحبها بذلت مجهودا كبيرا لإقناعها بأنها محبوبة، ولكنها ترى أنها فاشلة وغير محبوبة وصورتها سلبية عن نفسها.

وبالفعل سيدي عنفها ورغبتها في تقليد الصبية في اللبس والحركات واللعب معهم، ورفض اللعب مع البنات جعلها مرفوضة من كلا الطرفين، ولكنها تزداد عنفا بسبب ذلك.

ازداد الأمر سوءا عندما اكتشفت أنها تسرق مني، وتخبأ المال في دولابها، أول مرة خاصمتها لمدة يوم، وعرفتها برفق أن هذا حرام.

وفي المرة الثانية طلبت منها أن نجلس سويا، ونتكلم عن ما يدفعها لذلك رفضت الكلام، فجلست معها وقرأنا سويا علي الانترنت السرقة في الإسلام، وشرحت لها معني الأحاديث، وطلبت منها الالتزام بالصلاة، ثم تكرر الأمر أكثر من مرة حتى بدأت تسرق من محل البقالة أسفل المنزل، وتطور الموضوع إلى السرقة من محل آخر وتخبئ ما سرقته في ملابسها شعرت ساعتها أن أمرا غريبا يحدث ولم ترد أن تحدثني بما فعلته، فطلبت من والدتي التي كانت في زيارة لنا معرفة الأمر، فعرفت أمي ما سرقته فطلبت منها أن نذهب سويا للمحل، واعتذرت للبائع، ورددنا ما سرق، وأوضحت لها أن الشرطة قد علمت بفعلتها وأنهم يراقبونها، وبالفعل لم تسرق من خارج المنزل مرة أخري خوفا من أن تمسك بها الشرطة، استمر ذلك عامان حتى الآن، واعتقد أنها اكتفت حتى أتت أمس، وحكت لي أنها مازالت تسرق من المنزل وأنها تفعل ذلك انتقاما مني على رفضي بعض طلباتها مثل شراء الحلوى، أو شرب المياه الغازية، وأنه كلما رفضت طلبا تبدأ بالغليان من الداخل، لا يهدأ حتى تسرق مني شيئا، حتى لو حلوى أو بعض مقتنياتي الخاصة, وأنها تشعر بعدها بالسعادة وتهدأ.

تفهمت قولها وأخبرتها، كم أنا سعيدة بصراحتها, وأنني أعرف كم هو صعب أن نواجه بالرفض والعقاب أحيانا، وأخبرتها أني ما أرفض لها طلبا إلا حبا فيها وخوفا عليها من أن تتسبب تلك الممنوعات في مرضها، وأنني أفعل ذلك معها ومع إخوتها على حد سواء، فرحت بكلامي وحضنتني وسألتني إذا مازلت غاضبة منها، فقلت لها أن الغاضب الآن ليس أنا بل الله لأن ما تفعله حرام، وأن عليها أن تراجع نفسها، وسألتها هل ستستمرين بالسرقة، فأجابت نعم لأنه الأمر الوحيد الذي يسعدني، لم أدري، ماذا أقول لها؟ سوى أنها سعادة تغضب الله، وأنها ليست علاجا للغضب بداخلها، وإلا لذهب الغضب للأبد، وما كررت السرقة، وطلبت منها عندما تغضب وتشعر بالرغبة في السرقة أن تخبرني وأنا سأساعدها على أن تكون سعيدة، وتتخطي الغضب بدون سرقة، وأن عليها أن تقرر وتكون صادقة معي هل ستسرق مرة أخرى، وأنني سأترك لها فرصة للتفكير؟ وبعد فترة أتت وقالت لي أنها ستجرب طريقتي.

وفي نفس اليوم غضبت لأنني أخذتها للحديقة لمدة ساعة فقط، ولم نمكث أكثر وأخبرتني بغضبها فقلت لها فكري في شي يجعلك سعيدة فقالت مثل ماذا فقلت لها أمثلة، فضحكت وهدأت وأخذت تلاعب أخواتها الصغار بهدوء.

مشكلتي سيدي أني خائفة من أن يصبح هذا طبع في ابنتي أو أن تكون مريضة ولا اعلم كيف أتعامل مع الموقف الذي أشعر أنه أنهكني مع العلم أن والدها علم في احدي المرات فقط ورصد لها مصروفا أسبوعيا ظننا منه أنها تسرق لحاجتها للمال، واستمر الأمر سيدي ولم أخبره خوفا عليها من عقابه نظرا لعصبيته الشديدة.

أخبرني بالله عليك كيف أتصرف وماذا أفعل؟، وهل أسلوبي معها خطأ أم صواب وهل ألجأ للعقاب؟ الذي أخاف منه خوفا أن تزداد الحالة وأن تخبئ تصرفاتها عني؟

آسفة على الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ nouran ibrahim حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فنشكرك على رسالتك الواضحة والطيبة هذه، وأسأل الله تعالى لذريتك الحفظ والصلاح.

هذه الابنة - حفظها الله تعالى - تعاني من مرض الصرع منذ فترة طويلة، ومرض الصرع قد تنتج عنه بعض الاضطرابات السلوكية لدى بعض الأطفال، والسبب في ذلك هو أن الطفل قد استأثر بمنهج تربوي خاص تتوفر فيه الحماية الشديدة للطفل مما قد يوقعه في أخطاء تربوية، والسبب الثاني هو أن دراسات كثيرة أشارت أن البؤرة الصرعية إذا كانت موجودة في الفص الصدغي بالمخ - وهو أحد الأجزاء الرئيسية في المخ - هذا ربما يؤدي إلى اضطرابات وجدانية وسلوكية لدى الأطفال.

وعليه أقول لك أنك قد انتهجت المنهج الجيد مع هذه الطفلة، مع الحاجة لبعض التعديلات في المنهج التربوي.

أولاً يجب أن تشعر أنها البنت الكبرى، وأن نجعلها تشارك في القرارات الأسرية، وأن نعطيها الاهتمام التام بأنها شخص مرغوب فيه، وأنها عضو فعال جدًّا في الأسرة، وأن تطور مهاراتها وذلك بأن توكل لها بعض الأعمال، تبدأ بترتيب غرفتها وخزانة ملابسها، سريرها، وحتى تساعد في شؤون إخوتها، وتجهز بعض الأشياء لوالدها ولك كذلك، وأن تساهم في بعض أعمال المطبخ، الذي أقصده بذلك هو أن نبني مهاراتها ونطور من كفاءاتها، فهذا في حد ذاته يقوي من بنيانها النفسي ويصرف عنها السلوك الغير مرغوب ويشعرها بالأمان.
الطفل في حاجة ماسة جدًّا للأمان، وأن يشعر بأنه عضو فعال ومرغوب فيه داخل الأسرة.

ثانيًا: بناء قيمة الأمانة لدى الطفل، دون أن نُسرف في الحديث عن سوء السرقة، أن تعضدي وأن تنمي لديها الأمانة كقيمة إسلامية وإنسانية رفيعة جدًّا وذلك من خلال النصح، من خلال إعطاء أمثلة ونماذج، وأن تلاعبي طفلتك، حاولي أن تنزلي إلى مستواها العمري، ويمكنك أن تمثلي معها أدوار أو نوع من الدراما التي تتمركز حول شخصية البنت وواجباتها وما هو المطلوب منها والصدق والأمانة كسمات وقيم مهمة.

السرقة لدى الأطفال قد تكون تعبيرًا عن الاحتجاج والرفض لوضع معين، قد تكون تعبيرًا عن اكتئاب نفسي داخلي، والسرقة دائمًا تكون مصحوبة بالكذب في معظم الحالات، لذا تنمية قيمتي الصدق والأمانة هي من الأمور المطلوبة جدًّا.
أن تقللي من انتقادها وأسلوب العقاب والتهديد ليس بالجيد، لكن لا مانع من التوبيخ البسيط، وأن تكون هنالك برامج تحفيزية وتثاب من خلالها الطفلة لكل عمل جيد تقوم به.

هذه هي الأمور التربوية الرئيسية.

أنا أنصح بأن لا تغدقي عليها بالمال وأن تحققي لها كل مطلب، يجب أن يكون هنالك نوع من الوسطية والتوازن، وأن تشعريها بقيمة المال وقيمة كل شيء في الحياة، هذا يساعدها كثيرًا.

الجزء الآخر وهو هام جدًّا من وجهة نظري: هو أن الدباكين بالرغم من أنه دواء متميز للتحكم في التشنجات الصرعية، إلا أنه قد لا يكون الدواء الأفيد في تقليل الانفعالات العصبية والعنف، وقد يضر قليلاً بالتركيز لدى الأطفال، وكثير من الأبحاث تشير أن عقار (تجراتول Tegretol) أو يسمى علميًا باسم (كاربامزبين Carbamazepine) قد يكون هو الأفيد والأصلح في بعض الأطفال وذلك لأنه يحفظ توازن من ناحية التركيز والاستيعاب ويقلل العنف ويمتص نوبات الغضب لدى الأطفال، لكن يعاب على التجراتول بأنه قد يكون أقل فعالية بنسبة بسيطة وضئيلة جدًّا وذلك فيما يخص التحكم في النوبات الصرعية.

أعتقد أن هذا الأمر يحتاج للمراجعة مع الطبيب المعالج، والفوارق ليست كبيرة، لكن هذه هي النقطة لابد أن تُعطى انتباهًا.

أسأل الله لها العافية والشفاء.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً