الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أنا وخطيبي لم نستطع إيقاف الكلام بيننا ... فأرشدوني

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم

تعرفت على شاب ملتزم, وتقدم لخطبتي, وأحبه كثيرًا، وهو يحبني كثيرًا، المشكلة هي أننا لا نستطيع أن نوقف الكلام مع بعضنا إطلاقاً، وكلما حاولنا نتعب كثيرًا, ونرجع نكلم بعضا.

مع العلم أن أهله وأهلي يسمحون لنا بالكلام، وأننا لم يكتب كتابنا بعد، والسبب ليس مني؛ فأنا ألح عليه بكتب الكتاب، إلا أن أهله يؤجلون ذلك!

أعرف أنه حرام، ولكن ماذا أفعل؟ فعندما أوقف الكلام؛ نفسيتي تتعب، خصوصا أنه ليس لي أحد غيره في الدنيا أكلمه، حتى أصحابي لا أكلمهم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مسلمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت, وعن أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يتجاوز عن سيئاتك، وأن يمنّ عليك بالزوج الصالح الطيب المبارك الذي يكون عونًا لك على طاعته ورضاه، وأن يجنبك وخطيبك الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجمع بينكما في الحلال على خير عاجلاً غير آجل، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك أقول لك -أختي الكريمة الفاضلة-: إنه مما لا شك فيه أن التعلق القلبي شيء جميل ورائع أن يكون هنالك إنسان يُحبك وتحبينه، والحب كما تعلمين من أعظم القيم التي حثّ عليها الإسلام، بل جعلها الله تبارك وتعالى عبادة من العبادات؛ ولذلك أمرنا أن نُحبه جل جلاله، وأمر نبيه - صلى الله عليه وسلم – أن يسأله حُبَّه، وأن يدعوه، وأن يرزقه حبه، فالحب شيء عظيم، وهو من صفات المؤمنين فيما يتعلق بالحب الحلال، حبهم لله تبارك وتعالى, ولرسوله, وللمؤمنين، ثم حبهم لمن يستحقون المحبة الشرعية من عباد الله تعالى.

إلا أن الحب هذا -كما تعلمين- فيه ما هو خير، وفيه ما هو شر، والخير فيه أن يكون في الإطار الشرعي، والشر فيه أن يكون خارج الإطار الشرعي، خاصة إذا كان يترتب عليه أي نوع من أنواع التواصل، وذلك كالكلام فيما بينكما، لأنه مما شك فيه أن الكلام لن يكون سليمًا من المآخذ، فيستحيل أن تتكلمي أنت مع رجل تحبينه ويحبك لساعات طوال أحيانًا في اليوم الواحد, ولا تقع بينكما كلمات غير مشروعة، حتى ولو كان الكلام في مفرداته ليس حرامًا, إلا أنه في مجموعه سيؤدي إلى الحرام يقينًا.

ومن هنا فكما ذكرتِ أنت من أنك تعرفين بأن هذا الكلام حرام, وأنه لا يجوز لك شرعًا، فنقول: هذا فعلاً هو شرع الله تعالى؛ لأن الخطبة لا تُحل هذا التعلق, ولا هذا الارتباط, ولا هذه المحبة؛ ولذلك أتمنى بداية -بارك الله فيك- أن تضغطي بقوة على هذا الأخ -خاصة وأنك تقولين بأنه ملتزم- لأنه قطعًا يعرف أن ذلك حرام؛ فلابد من الضغط بقوة عليه حتى يضغط على أهله ليتم العقد، وبعد ذلك ليكن ما يكون.

أما الآن فأنت تعرفين الحكم, وقطعًا هذا الأخ يعرفه، والمشكلة الكبرى في هذه المسألة أن وقوعكما في الحرام واستمراركما فيه قد يؤدي إلى عدم التوفيق في حياتكما الزوجية، فقد يظل خاطبًا لك لسنوات, ورغم ذلك لا يكون من نصيبك، وهذا ما يعرف بشؤم المعصية؛ لأن المعصية لها شؤم عظيم وخطير، ولا أدل على ذلك من أن آدم عليه السلام (أبا البشر) ما خرج من الجنة إلا بسبب المعصية.

فإذن عليك أن تنتبهي لنفسك, وأن تعلمي أن هذا التسويف ليس في صالحك، ومسألة أنكما تتعبان عندما تتوقفان عن الكلام، هذا من عمل الشيطان؛ فالشيطان يزين للناس الفواحش، ويزين للناس المعاصي, ويزين للناس حتى الكفر -والعياذ بالله-، ولذلك ففكرة أنكما لا تستطيعان التوقف عن الكلام إطلاقًا هذا كلام خطأ، فأنت عممت الحكم, والواقع أنه خلاف ذلك، والدليل على ذلك أنكما حاولتما التوقف، وتوقفتما أعتقد ليوم, أو ليومين, أو لأسبوع، ثم رجعتم بعد ذلك.

فمسألة عدم التوقف إطلاقًا هذا ليس صحيحًا، أنت تتوهمين ذلك، ولكن في الواقع أنت قادرة على أن تتوقفي إذا كنت فعلاً تحبين الله ورسوله، وإذا كنتِ أختًا ملتزمة صادقة في التزامك؛ فيستحيل أن تقدمي هواك على مرضاة مولاك سبحانه وتعالى؛ ولذلك لابد من قرار شجاع وجريء لأنك أخت فاضلة، فاتصالك بهذا الموقع يدل على أنك من الصالحات، ولكن كيف تكونين كذلك أمام الناس وفيما بينك وبين الله لا تكونين كذلك! أما تخافين من عقاب الله تعالى وعذابه الذي قد يحدث في أي لحظة, ودون أي مقدمات.

إن أقل أنواع العقاب الذي قد يعاقبكم الله بها الحرمان من بعضكما البعض، فإذن عليكم -بارك الله فيكم- أن تتخذا قرارًا معًا بالتوقف حياء من الله تعالى, وابتغاء مرضاة الله، وعلى هذا الأخ الفاضل أن يضغط على أهله حتى يتم العقد؛ لأنكما الآن على خطر عظيم، ولا تقولي بأنكما يستحيل أن تتوقفا، فهذا ليس صحيحًا، فإن كثيرا من الناس يتوقفون، وإذا كان بعض الناس قد فعل ذلك؛ فثقي وتأكدي أنه بمقدورك أيضًا أنت وهذا الأخ أن تفعلا ذلك، وأنا أقول: الدليل على ذلك أنكما توقفتما قبل ذلك, ولكنكما تراجعتما لأنكما لم تكونا جادين, أو صادقين في عزمكما, وفي توبتكما النصوح إلى الله تبارك وتعالى.

أنت تقولين بأن نفسيتك تتعب عندما تتوقفين، نعم، أقول لأن هذا كله من عمل الشيطان؛ فالشيطان يريد أن يُشعرك بأنك لا يمكن أن تستغني عن الحرام، وثقي وتأكدي بأنه لو عقد عليك ستشعرين بأن هذا الأمر كله قد انتهى؛ لأن الشيطان يزين هذه المعاصي تزيينًا عجيبًا حتى نظن أنه يستحيل لنا أن نتوقف عنها.

كون أهلك وأهله يوافقون على ذلك هذا ليس معناه أن الحرام أصبح حلالاً؛ لأن الناس ليسوا مشرعين, وإنما هم خاضعون لشرع الله تعالى؛ فالذي حرم هذا الكلام إنما هو الشرع, وليس الأب أو الأم، ولذلك لا قيمة لموافقة أهلك أو أهله.

أتمنى أن تأخذي قرارًا شجاعًا، فأنت مسلمة تحبين الله ورسوله، خذي قرارًا أنت وهذا الأخ الفاضل وتوقفا حياءً من الله تعالى, وابتغاء مرضاته، وعليه أن يضغط على أهله أن يتم العقد في أقرب فرصة حتى يكون الكلام حلالاً, ولا تقعا في الحرام، واعلمي أن أقل خطر لهذا الوضع الذي أنتما عليه إنما هو الحرمان من بعضكما البعض، وهذا ليس ببعيد حقيقة، فتوبا إلى الله, وسلِي الله الثبات على الحق.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً