الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نوبة الهلع التي أصابتني... ومعاناتي جراء ذلك

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
بداية أشكر لكم تعاونكم معنا وجزاكم الله خير الجزاء.

لديّ قضيتان:
الأولى:
أنا شاب عمري 28 سنة، مُطلق منذ خمس سنوات، أصابتني حالة من الذعر، رغم أنني كنت في مزاج سليم، شعرت كأن الوفاة قد حانت وتشهدت، وقلت وصيتي، كنت أشعر بخفقان في القلب، ورعشة في الجسم، وعطش وتنميل في اليدين والرأس شديد للغاية، ورغبة في التبول ودوخة, ذهبت للمستشفى ولم أتوقع الوصول إليه أصلاً.

والحمد لله كل التحاليل وتخطيط القلب سليم، بعد ثلاثة أشهر رجعت لي الحالة وكانت قوية جداً.

ذهبت إلى الطوارئ مسرعا ألحق أنفاسي الأخيرة، ولكن كل شيء سليم للغاية، لم أطمئن حتى عملت أشعة (إيكو) وتخطيط قلب، وتحليلا كاملا للجسم وللغدد، وكل شيء كان سليما -والحمد لله- علمت بعدها أنني مُصاب بنوبة ذعر وإلى اليوم وأنا في حال صعب، ساعة أضحك وساعة أخشى الموت.

المشكلة أنني ما زلت مصدقا أنني مصاب بالقلب، أعراض الهلع تتكرر نادراً، لكن وخزات القلب والدوخة مستمرة منذ شهر تقريباً، إلى الآن أنا أحوم حول ثلاثة أمور، المستشفى، وشيخ قارئ، وطبيب نفسي، لا أعلم أيا منها أختار، كنت دائم الضحك، اجتماعيا، متفائلا، إلا أن ما أصابني أفقدني بريقي.

أخشى أنني مريض مرضا عضويا والوقت تأخر، والله إن ألوان الحياة انخطفت من أمامي وأصبحتُ كئيب المنظر، من شدة الألم أشعر بتنميل في يدي ورأسي شديد، وكأني سأفقد الوعي أو أفقد عقلي، لا أعلم!

الثانية:
يوجد ذنب أكرره دوما وأندم عليه كثيرا، ومن ثم أكرره وأندم وهكذا إلى أن وصل بي الحال أنني نذرت أن أصوم شهرا أو أكثر إذا عدت، وعدت، ورجعت، ونذرت وعدت، ثم مسكت المصحف وحلفت عليه أن لا أعود وتبت، ومن ثم عدت.

سؤالي: أنا لا أعلم عدد الأشهر التي نذرتها، وما حكم حلفي على المصحف ولم أوف بالوعد؟ أشعر بتأنيب الضمير والخوف من الله.

أفيدوني أثابكم الله، وآسف جداً على الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ متفآئل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

بارك الله فيك وجزاك الله خيراً، ونشكرك كثيراً على تواصلك مع إسلام ويب، ونشكرك على الثقة في إسلام ويب.

أيها الفاضل الكريم أود أن أسرد لك قصة بسيطة، وهي أتاني شاب عمره (24) سنة منذ أربعة أشهر -أسرد هذه القصة مع احترامي الشديد لخصوصيته- هذا الشاب أتاني، ويظهر أن أحد الإخوة الأطباء في قسم القلب أرشده لأن يحضر لمقابلتي، وذكر لي أنه استيقظ فجأة حوالي الساعة الثانية صباحاً قبل أربعة أيام من حضوره إلي وجد نفسه في ضيق شديد، وشعور مطبق أن الموت قد دنا، وبدأ يردد كلمات التوحيد، ومن ثم وعلى الرغم من مضايقته قام وأزال شعر جسمه -وأقصد بذلك شعر الإبطين والعانة- وبعد أن أفاق قليلاً توضأ وحمد الله أن أعطاه العمر وصلى ركعتين.

أخي هذه هي نوبة الهرع، وهذه نوبة الهلع، وهذه نوبة الفزع، وهذا الشاب يتردد علي الآن، وأصبح ينظر إلي كوالده، رغم أن علاقتنا علاجية، والآن بفضل الله تعالى يتمتع بصحة جيدة وممتازة، ولا يصدق أن الذي حدث له كان مجرد نوبة هلع ولا علاقة له بأمراض القلب مطلقاً.

الخطة العلاجية معه كانت بسيطة وشرحناها له، وما هو الفزع، وما هو الهرع، وأنه نوع من القلق النفسي الحاد الذي يأتيه فجأة، ويأتي الشعور بقرب الموت والشعور بالضيق الشديد وتسارع في ضربات القلب والرعشة، وقد يكون هنالك تعرق ودوخة وخفة شديدة في الرأس، والبعض يشعر بالتنميل كما حدث لك.

إذن قصتك مشابهة تماماً لقصة هذا الشاب، وخطة العلاج الذي تتطلبها حالتك إن شاء الله هي بسيطة جداً، هي أنه من الأفضل لك أن تذهب إلى الطبيب النفسي، وأنت تطرح خيارات (المستشفى، أو شيخ قارئي أو طبيب نفسي) أنا أقول لك اذهب إلى الطبيب النفسي فحالتك نفسية، وليس هنالك ما يدعوك للتردد على الأطباء في المستشفيات فقلبك ليس به علة، إنما هو أمر نفسي فإذا كنت تعرف من هو ثقة فاذهب إليه، وعليك بالرقية الشرعية، والتي لابد أن تردد وتقوم بها أنت أيضاً.

أيها الفاضل الكريم الطبيب النفسي سوف يضع لك برامج علاجية تتمثل في التفكير الإيجابي وتحقير فكرة الخوف، وسوف يعطيك أدوية من أفضلها عقار يعرف باسم سبرالكس، كما أن تطبيق تمارين الاسترخاء مهم جدًا، لفت الانتباه وصرفه إلى ما هو مفيد سوف يفيدك كثيراً، إذن حالتك أخي الكريم حالة خاضعة تماماً للعلاج بالرغم؛ مما سببته لك من توتر وقلق ووسوسة -إن شاء الله تعالى- سوف تزول تماماً.

بارك الله فيك وجزاك الله خيراً ونسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

انتهت إجابة الدكتور محمد عبدالعليم الأخصائي النفسي/تليها إجابة الشيخ أحمد الفودعي المستشار الشرعي لمزيد فائدة فأجاب قائلاً:

نسأل الله تعالى أن يشفيك ويذهب عنك ما تعانيه، فقد أجاد الدكتور بارك فيه فيما وصاك به، ونسأل الله تعالى أن ينفعك به.

أما عن الجانب الشرعي في مسألة النذر الذي نذرته فإن هذا النذر الذي يقصد به صاحبه منع نفسه من أن يفعل شيئاً يسميه العلماء نذر اللجاج، وهو في الحكم الشرعي بمثابة اليمين، فلا يلزمك صوم الشهر الذي نذرته، وإنما يلزمك كفارة اليمين أو الوفاء بما نذرت، فأنت مخير بين الأمرين، هذا قول كثير من العلماء ومنهم من يرى أنه لا يلزمك به إلا الكفارة، فالأمر إذن هين سهل، ونحن نوصيك بأن تقف عند حدود الله تعالى، وتتجنب الوقوع فيما حرم الله، وانتهاك ما حرم الله تعالى، وإذا وقعت في الذنب فبادر إلى التوبة بالندم على ما فعلت، وبالعزم على أن لا ترجع إليه في المستقبل، وبتركه في الحال، فإذا فعلت ذلك فإن الله عز وجل يتوب عليك.

وبهذا اعلم -أيها الحبيب- أن عليك كفارات بعدد الأيمان أو النذور التي نذرتها ما دمت كنت تقول النذر ثم تفعل، ثم تنذر ثانية وتفعل، ثم تنذر ثالثة، وهكذا، فعليك كفارات بذلك العدد، أربع بحسب ما فهمنا من كلامك، والكفارة الواحدة إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين مد من الطعام، أي كيلو إلا ربع من الأرز تقريباً أو كسوتهم أي كسوة المساكين بما تصح به الصلاة أو تحرير رقبة، فإذا كنت عاجزاً عن أي واحدة من هؤلاء الثلاث فإنك تتحول إلى الصيام، فتصوم عن كل كفارة ثلاثة أيام، ويستحب في صيام الكفارة الواحدة أن يكون ثلاثة أيام متتابعة، ولو فرّق بين هذه الثلاث فلا حرج عليك، وأما بين الكفارة والكفار الأخرى فلا يلزمك التتابع.

نسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يكتب لك العافية وأن يعينك على البر والتقوى.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • مصر احمد

    بارك الله فيكم وجازاكم كل خير

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً