الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أختي تتهمني بتحطيم حياتها مع أنني ساعدتها في الخطبة، ما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا غير متزوجة، في الخامسة والعشرين من عمري، توفي والدي منذ أربعة عشر عامًا، ولدي أختان أصغر مني في العمر، وأخ يكبرني بثلاث سنوات، أمي ليست متفاهمة معنا تمامًا، وترى أنه طالما يتوفر لنا التعليم، والطعام فلسنا في حاجة لأي شيءآخر.

ودائمًا كان يتقدم لأختي خطاب كثيرون إلى أن جاء خاطب نحسبه على خير وتقدم، وكانت أمي رافضة له، ولكن أختي كان منها قبول، وهو أيضًا، وكان رفض أمي بحجة الخوف من أمن الدولة، وبعد الثورة تدخلت أطراف، وعاد الموضوع ثانية، وكانت أمي بين الرفض والقبول، وتدخلت العائلة إلى أن تم الاتفاق، وتم تحديد موعد الزفاف، وأمي رفضت ثانية، واستنجد بي الشاب؛ لأن أخي كان رافضًا له أيضًا، وهو يعمل بالخارج، وحاولت مساعدته كثيرًا، وباءت محاولتي بالفشل، فتوجه إلى أحد أقاربنا خارج مصر، واتصل به، واتفق معه أنه حينما يأتي لمصر سيقنع أمي، وظل يتصل به بين حين وآخر، ويتصل بي أيضًا بحكم أن أختي لا تكلمه لأنها خطيبته.

أما أنا فوظيفتي مساعدته فقط، وكانت بعض المحادثات أرويها لأختي، وأخرى لا؛ لأنه يطلب مني ذلك؛ لأنه يرى أن من مصلحتها ألا تعرف، وكانت المحادثة لا تتعدى ما يخصه هو وأختي، ولا أدري من أين تعلم أختي أنه على اتصال بي، ولكن بعد أن انتهى الموضوع برفض أمي نهائيًا اتهمتني أختي بأنني حطمت حياتها، وقللت من شأنها، وأنني أحببته، واعتبرت أنني من كنت مخطوبة، وليست هي، ودائمًا تجرحني بالكلام، وتلمح دائمًا أنني كاذبة، وأتدخل في ما لا يعنيني، وعندما يأتي إليها أي شخص آخر للخطبة تقول للجميع، وتتجاهلني أنا فقط، وتعاملني بأقسى معاملة، ويشهد الله أنني حاولت أن أساعدها بكل ما أوتيت من قوة، ولكن هذا رد الجميل، أنا في حالة نفسية سيئة جدًّا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ السائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت، وعن أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يرد عنك كيد الكائدين، وحقد الحاقدين، وحسد الحاسدين، وظلم الظالمين، واعتداء المعتدين، وأن يمنّ عليك بزوج صالح طيب مبارك يكون عونًا لك على طاعته ورضاه.

وبخصوص ما ورد برسالتك -أختي الكريمة الفاضلة- فإنه مما ينبغي عليك أن تعلمينه أن الناس يحكمون بالظاهر، وأن هذا الظاهر يختلف من شخص لآخر، وأن الناس لا يعلمون الغيب، وأختك لا تعلم ما كان يدور بينك وبين هذا الشاب، ولا تدري أنك حاولت الإصلاح قدر الاستطاعة، أو حاولت مساعدتها على أن يتم أمرها على خير، رغم إصرار والدتك على عدم ارتباط أختك به.

فأرى -بارك الله فيك- أنها تتصرف من معطياتها الخاصة؛ لأنها لا تعلم الغيب، والشيطان قد زين لها, وسوّل لها, ونفث في قلبها على أنك ما أردت لها الخير، وإنما أردت أن تفسدي عليها مشروعها الحياتي، وبذلك وقفت منك هذا الموقف.

صدقيني -ابنتي الكريمة الفاضلة- لو أنها تعلم الحقيقة ما وقفت منك هذا الموقف، ولذلك عليك إذا أتيحت الفرصة أن تبيني لها ما تم بتجرد ابتغاء مرضاة الله تعالى حتى توقفيها عن هذا الظلم الذي وقعت فيه، وهي لا تدري.

وعليك أن تلتمسي لها الأعذار من تلك التصرفات الأخيرة؛ لأنها آثار مترتبة على تصور خاطئ وقعت فيه هذه الأخت، ولذلك تحاول أن تتجاهلك كما ذكرت، وتعاملك أقسى معاملة، رغم أنك لا تستحقين ذلك كله.

أقول: حاولي انتهاز فرصة للخلوة بها، وتكلمي معها بكل صدقة وأمانة؛ وأخبريها بأنك ما أردت لها إلا الخير، وحدثيها بما تم، فإن قبلت منك قبلت، وإن لم تقبل فاعلمي أن الله تبارك وتعالى يعلم السر وأخفى، ويعلم السر والنجوى، وأنه على كل شيء قدير، وأنه بكل شيء عليم، وأنه مطلع على ما تم بينك وبين هذا الشاب، وأنه يعلم أنك مظلومة، وعما قريب سيرفع الله تبارك وتعالى عنك هذا الظلم، وسيصحح الله تبارك وتعالى هذا الوضع، فرجاء لا تستسلمي لهذه الحالة النفسية السيئة؛ لأن الشيطان يشن عليك حربًا شعواء، يريد من خلالها أن يُشعرك بأنك ما فعلت خيرًا، وليخبرك بأن الخير الذي فعلته لم يأتِ بخير أيضًا حتى لا تفعلي خيرًا بعد ذلك.

فكوني على ما أنت عليه من فعل الخير والحرص عليه، وطلب الخير للناس، والبحث عنه لهم، وتحقيقه لهم، ولا تنتظري من الناس جزاءً، حتى وإن جاء الجزاء غير ما تتوقعين فاعلمي أنه يكفيك أن الله بكل شيء عليم، وأنه شهيد وعالم ومطلع؛ ويعلم حقيقة الأمر، وعما قريب سوف تتحسن هذه الأحوال، حتى وإن لم تتحسن العلاقة بينك وبين أختك، ويكفيك أن الله شهيد، ويكفيك أن الله عنك راضٍ، ويكفيك أن الله مطلع على فعلك، وهذا أفضل ما نتمنى؛ لأن رضى الناس غاية لا تُدرك، والناس كثيرًا ما يُخطئون في تصوراتهم، وبذلك يقعون في أخطاء قاتلة فيمن أحبهم سبحانه، وكان حريصًا على مصلحتهم.

أما الله جل جلاله فهو الذي أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا.

كما ذكرت لك ليس أمامك إلا استغلال أي فرصة متاحة لشرح الأمر كله لأختك، فإن قبلت قبلت، وإن لم تقبل فاتركيها لله، ولا تشغلي بالك بها، واحمدي الله أن الله أعانك على فعل الخير، وأنك ما فعلت إلا الخير، وما أردت إلا الخير، وتوجهي إلى الله بالدعاء، وأكثري من الاستغفار، وعليك بالإكثار من الصلاة على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وسلي الله -تبارك وتعالى- أن يمنّ عليك بخيري الدنيا والآخرة، وأن يقبل عملك خالصًا لوجه الكريم، وأن يصلح هذا الفساد الذي وقعت فيه أختك نتيجة سوء ظنها وتقديرها الخاطئ.

أسأل الله لك كل خير، وأسأل الله العون لك على الخير دائمًا وأبدًا، وأن يمنّ عليك بسعادة تامة في الدنيا والآخرة، إنه جواد كريم، هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً