الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أمي وأبي سبب تعاستنا، فكيف نتصرف معهم؟

السؤال

السلام عليكم

لدي عدة مشكلات تفرعت من مشكلة، وهي تؤثر في وبشدة، سأحاول أن أرتب أفكاري وأطرح المشاكل لكيلا تتضايقوا من فوضوية طرحي.

لدي أب كريم جداً، وأناني وعصبي وعنيد جداً، ولا يغار علينا نحن محارمه، وهذه الصفة تقتلني جداً منه، ويضرب أمي إلى الآن إذا فقد أعصابه، مع أنهما كبار في السن 60 سنة، أمي حنونة وحكيمة وطيبة جداً لحد السذاجة، وكلاهما يمتلكان حرارة الطبع، فهم لا يحتملون وجود كأس غير مغسول، أو قطعة منديل على الأرض، وصفتهم هذي توترنا وينادوننا بالقذرين مع أننا ننظف ولكننا نجمع الأغراض مرة واحدة ونغسلها، يروننا أسوأ الناس، وأفقدونا ثقتنا بأنفسنا، بيتنا متوتر بسبب ذلك.

نحن الأبناء نملك مستوى تعليمي ممتاز، فنحن من الأوائل، جميلون جداً، طيبون، الكل يشهد بأخلاقنا، نحن بشكل عام أغنياء ونساعد الكل، عائلتنا ذات منصب رفيع، والكل يستغلنا لضعف شخصيتنا، ثم ينسون ما قدمناه لهم ويشتموننا، وأبي وأمي إلى الآن يستقبلوهم بكل طيب مع ما حصل من سرقتهم لأموالنا من غير عقد، نتيجة سذاجة أهلي الزائدة.

أختي لديها جمال مترف وسمار خفيف جميل، وكأي أخوات تحدث بيننا مشادات وأبي هو من يفض النزاع ويسمعها أختي كلاماً مثل: "لا أحد يود خطبتك، لم يأت أحد يريدك" علماً أن عمرها كان 17سنة، وكان خاطب قد أتى من أجلها ولكن أبي رفض لصغر لسنها ولم يخبر أحدا، ولقد فقدت الثقة بنفسها وبشدة وتكتب أنا قبيحة و"بلاك"، والآن عمرها 30 سنة وترفض الخطاب.

أما أخي عندما يكون الثاني على فصله يضربه ويستهزئ به، ويقول له: أنت فاشل ولست مثل إخوتك، وقد تزوج فتاة ليست ذات جمال أو نسب أو حسب أو دين، وتتغزل بأخي الأصغر، وعندما أحاول أن أقوي ثقته بنفسه، يقول أنا قبيح، أخي الأصغر أجمل مني وأفضل مني، مع أنه غير صحيح، وأبي يجبره على تدليل زوجته بشكل مبالغ ويحط من قدره أمامها، ينسفون كل ما أقوم من أجله.

أما أنا فكذلك يأتيني خطاب، ويعقدون الخاطب حتى ينسحب، ثم يشتكون للناس وأمام زوجات أخي بأن لا خطاب يأتون، تعبت وهم يقولون لي: سنعرضك أمام الناس، أنا عمري 23 سنة، أي أهل لدي؟!! ويشتكون للناس أننا لا نعمل بالبيت، مع أنه لا خادمة لدينا وبيتنا قصر وكبير، والضيوف دائماً لدينا بل ينامون لدينا، والمفروض أن نخدمهم بوجه حسن، لكن لا وقت لدينا، جميعنا ندرس، تعبت من أهلي ومن خدمتهم للناس بشكل مبالغ، ومن حطهم لقدرنا أمام الناس، ماذا أفعل معهم؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.
الأخت الفاضلة: نور
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد:

نرحب بك ابنتنا الفاضلة، ونشكر لك حسن العرض، وهذا يدل على ذكاء وعلى نضح وعلى حسن ترتيب، وأرجو أن أبدأ معك من هذه النقطة، فإذا كنت أنت بهذا الفهم – ولله الحمد – فأرجو أن تكونوا أكبر من هذا الذي يحدث، وأرجو أن تعلموا أن كثيرًا من الآباء والأمهات – بكل أسف – يتكلمون بهذا الكلام وقد يكون دافعهم الخير، فهم يريدون أن يروا أبنائهم أفضل من يمشي على هذه الأرض، ولا يوجد إنسان يتمنى أن يكون الآخر أفضل منه سوى الأب والأم، والمعلم الصالح والمعلمة الصالحة، ولذلك أرجو أن تنظروا إلى نيتهم وقصدهم، ولا تقفوا عند كلامهم الذي لا نوافق عليه، وعند توبيخهم الذي لا نؤيدهم عليه، وعند انتقاصكم الذي لا نقبله منهم.

ولكن أنتم – ولله الحمد – في عمر يؤهلكم لتجاوز هذه المسألة لإثبات المكانة بين الناس بما وهبكم الله من مال وعلم وجمال وحسب، يعني هذه معاني كبيرة، فأرجو ألا تقفي طويلاً أمام مثل هذه الكلمات المثبطة حقًّا، ولكن إذا كان الإنسان يعرف أبعاد ونيات ومقاصد الوالدين –في مثل هذه الأمور – فإنه لا يقف عندها طويلاً، وحاولي أنت – يا من تواصلت مع موقعك – أن تكوني مصدر إسعاد لأخواتك، وأن تُبرزي جوانب الإحسان في نفوسهم، وأن تذكريهم بما وهبهم الله من فضائل ومكارم، وأرجو أن تجتهدوا في بر الوالد والوالدة، وفي الإحسان إليهم، ثم اطلبي منهم بكل هدوء أن يكونوا إيجابيين مع إخوانك.

نحن نعتقد –يا كاتبة هذه الاستشارة– أنك ستتجاوزين بإذنِ الله هذه الصعوبات بهذا النضج وبهذا الوعي، فلا تلتفتي إلى ما يُقال، وحاولي التواصل مع إخوانك ومع أعمامك ومع أخوالك ومع محارمك من أجل أن تُحسنوا هذا الوضع، ومن أجل أن يتدخلوا بالمجيء بخادمة تعاونكم، ومن أجل أن يُبرزوا ما عندكم من محاسن وما عندكم من مكارم أمام الأب وأمام الأم حتى يعرفوا قدر أبنائهم، حتى يعرفوا أن من واجبهم أن يُظهروا الاحتفاء والإكرام لأبنائهم، وأن يُدركوا أن حاجة الأبناء والبنات إلى الاحترام والتقدير لا تقل عن حاجتهم للطعام والشراب.

وأرجو ألا تحملي همًّا، وسيأتيك ما قدر الله تعالى لك، ولكل أجل كتاب، وسيأتي من يُعجب بك وبأخواتك، وستنالون نصيبكم وتأخذون الرزق الذي قدره القدير سبحانه وتعالى، فلا تبكي على اللبن المسكوب، ولا تحاولي عبور الجسر قبل الوصول إليه، واشتغلي بما خلقك الله له من العبادة والطاعة - هذه نصيحة لك ولإخوانك – واعلمي أن الله تكفل بالأرزاق، ومن الأرزاق الزوج الصالح، ومن الأرزاق الزوجة الصالحة للرجل.

فالإنسان عليه أن يصفي نيته بعد أن يتوجه إلى الله تبارك وتعالى، ويرضى بقضاء الله تعالى وقدره، ويحاول أن يتكيف مع صعوبات هذه الحياة، فإن هذه هي طبيعة الدنيا، وهذه الشكوى منكم ليس من بيتكم فقط، فما من بيت إلا وفيه من يشكو، بل ما من إنسان يمشي في طريق إلا وهو يشكو، حتى قال الشاعر:
كلٌ امرئ يشكو دهره *** لستُ أدري هذه الدنيا لمن؟
كأن الكل غير راضٍ، فهذه الدنيا لمن؟ لكن الذي يرضى يرضى بإيمانه، والمؤمن إذا شعر أنه آمن في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها، وأنتم عندكم قوت سنوات، متعكم الله بالعافية والنجاح، فقد حيزت لكم الدنيا بحذافيرها، فاحمدوا الله على ما أولاكم، لتنالوا بشكره وحمده المزيد، وحاولي أن تشجعي إخوانك والأخوات وأهل البيت على الطاعة، وعلى الذكر، وعلى أذكار الصباح والمساء؛ لأن في ذلك حفظاً للبيت وحفظاً لكم وحفظاً للأسرة.

حاولي أن تتفهمي لماذا يغضب الوالد من الوالدة؟ وحاولي أن تنصحي الوالدة بعد أن تقدمي لها البر، وحاولي أن تقتربي من الوالد بعد أن تشكريه وتمدحيه على إحسانه.

نسأل الله أن يصلح لنا ولكم الأحوال، وأن يعيننا وإياكم على الخير، وأشكرك لكم هذا التواصل مع الموقع.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً