الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أريد أن ترشدوني إلى تخصص أزيل به الواقع الأليم للمسلمين.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب عمري 18 سنة.

مشكلتي: أن قلبي يعتصر ألماً، وعيناي تذرفان دمعاً على واقع المسلمين اليوم، ما يحدث في مصر والشام وكافة بلاد المسلمين، من فساد وقتل وسلب ونهب، ومن واقع مجتمعاتنا وأحوالها.

يتقطع قلبي عندما أصلي في المسجد، وعند انتهاء الصلاة يقف رجل يسأل الناس ويطلب المال, لماذا؟ لأنه مريض وبحاجة لعملية جراحية, والعملية الجراحية تكلف مبلغاً كبيراً من المال وهذا الرجل فقير.

هل العلاج للأغنياء دون الفقراء؟!

هل تحول الطب من مهنة إنسانية إلى مهنة تجارية؟!

الله سبحانه وتعالى أدخل رجلا الجنة بسبب أنه سقى كلبا عطشانا وجده في الصحراء، فما بالكم إن فرّجت كرب مسلم، وأدخلت السرور على قلبه.

تذرف عيناي عندما أقرأ في تاريخ المسلمين وما كان عليه السلف الصالح، وماهية الحضارة الإسلامية سابقاً, ثم أرتطم بصخور الواقع المبكي.

في فترة من الفترات كانت أوروبا تعاني من أمراض تسببها الوساخة الشخصية والقذارة والجرب، كان الفرد عندهم يغتسل في السنة مرتين أو ثلاث مرات، كانوا لا يعرفون الحمامات فتعلموا من المسلمين النظافة والحمامات.

تذرف عيناي عندما أرى أغلب شبابنا إلا من رحم ربي اهتماماتهم تنصب في المباريات، وشغفهم في الأندية الأوروبية واللاعبين والمقاهي والأفلام والموضة، وأيضاً نسائنا وبناتنا إلا من رحم ربي تنصب اهتماماتهن في المسلسلات الساقطة.

لماذا أصبحت الهجرة إلى دول الغرب دول الكفر والفسق والفجور حلم وهاجس الكثير من شبابنا؟!

لماذا أصبحت (حصص العلوم الدنيوية) أكثر من حصص الشريعة في مدارس بعض الدول العربية؟!

لماذا فضائياتنا تبث الأفلام الخليعة والمسلسلات الساقطة؟!

لماذا فضائياتنا تبث الثقافة الغربية في بيوتنا لتلوث عقولنا؟!

لماذا لا تشفر شركات الاتصالات المواقع الإباحية على الإنترنت؟!

لماذا المستشفيات مختلطة؟!

لماذا الجامعات مختلطة؟!

لماذا أصبح الغرب رمز التقدم والحضارة؟!

لماذا نستورد الإلكترونيات والسيارات والطائرات والآليات...إلخ من دول الغرب وبعض دول شرق آسيا كاليابان والصين؟!

وأخيراً أعذروني فأنا لا أجيد صياغة الكلام فهذه الرسالة لا تصف شعوري وحرقة قلبي مئة بالمئة.

أنا سأنهي الثانوية العامة هذا الفصل أريد منكم أن ترشدوني إلى التخصص الذي أخدم به أمتي، تخصصا أفعل من خلاله شيئا في هذا الواقع، لا تقولوا لي: ما هو ميولك ووضعك؟ أريد أن أدرس تخصصا أدافع من خلاله عن ديني، وأعدّل من هذا الواقع المرير.

أعتذر عن الإطالة, أفيدوني، جزاكم الله عني كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ المعتز بالله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

يسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يُكثر من أمثالك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يجعلك من العلماء العاملين، والأولياء المقربين، وأن يجعل نصر الإسلام على يديك، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك -ابني الكريم الفاضل-: إن ما ذكرته كله حق، ومما لا شك فيه أن هذه الحالة المتردية للعالم الإسلامي -التي أشرت إليها وأكثر منها- لها أسباب عميقة وطويلة يتعذر الكلام عنها، أسباب تخلف المسلمين كثيرة، ولعلك لو قرأت (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) للشيخ "أبي الحسن الندوي" لاستطعت أن تقف فعلاً على أشياء كثيرة من هذا الأمر، و(لماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم) للسيد شكيب أرسلان، أيضًا يُبيِّن أسباب تخلف المسلمين.

ولكن أخِي الحبيب -بارك الله فيك- نحن أمة تمرض ولا تموت؛ لأن الله تبارك وتعالى وعدنا بأننا نظل إلى آخر الزمن، وأن القيامة ستقوم على هذه الأمة، ولذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- علَّمنا الأمل، وعلمنا العمل، ولذلك قال لنا: (إذا قامت القيامة وفي يدِ أحدكم فسيلة فليغرسها)، وأنت الآن تريد أن تقدم خدمة لدينك.

مما لا شك فيه أن الأمة تحتاج إلى نهضة في جميع المجالات، سواء كانت في العلوم التجريبية التي أشرت إليها، أو كانت في العلوم الإنسانية، خاصة علاقتها مع الله تبارك وتعالى، فأنت تستطيع عندما تتعلم العلم الشرعي وتتخصص وتحرص على أن تكون متميزًا، تستطيع أن تساهم بدور أو بآخر في رد الأمة إلى الإسلام؛ لأن الأمة في حاجة إلى من يُعيدها إلى دينها، إذا عادت إلى دينها عاد إليها التقدم وعاد إليها التميز، كما كان في الصدر الأول – كما أشرت أنت سابقًا – فإن النبي - صلى الله عليه وسلم – جعل العرب (وهم رعاة إبل وبقر وغنم) حولهم بهذا الدين إلى رعاة شعوب وأمم، وأخذهم من تحت غبراء الصحراء فرفعهم إلى علياء السماء، حتى قال لهم مولاهم: {كنتم خير أُمَّةٍ أُخرجت للناس}.

إذًا هذه الأمة لا ترتفع ولا تعلو ولا تتميز إلا بالدين، فإذا أردنا أن نعالج أمراض الأمة نبدأ بالدين، فأنت تستطيع - بارك الله فيك – بعد انتهاء الثانوية العامة - بإذن الله تعالى – أن تدخل في إحدى كليات الشريعة، وأن تحاول أن تكون متميزًا؛ لأن مجرد شهادة الليسانس أو البكالوريوس قد لا تنفعك كثيرًا أيضًا، وإنما نحتاج منك أن تكون أستاذًا جامعيًا كبيرًا، تستطيع أن تؤلف المؤلفات، وتستطيع أن تزور الجامعات، وأن تتجول في العالم لتعرض بضاعتك - التي هي دين الله تبارك وتعالى - على عباد الله؛ لأنك تعلم أن الناس يقدرون الدنيا، ويقدرون حملة الشهادات العليا، وهو سلاح تستعمله لخدمة دينك.

أنا أرى - بارك الله فيك – أن تجتهد الآن في مذاكرتك، وأن تضع نصب عينيك الهدف الأكبر وهو خدمة الدين، ولن تخدم الدين إلا إذا كنت قويًّا، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف).

فاستعن بالله -بارك الله فيك- واحرص على ذلك، وأعتقد أنك بذلك ستقدم خدمة لدينك، وفي النفس الوقت أيضًا إذا كان لديك بعض الوقت حاول أن تقرأ أيضًا – مثل ما ذكرت لك –بعض هذه الكتب، أن تقرأها وأن تقف على أسبابها، وعن طريق الإنترنت تستطيع أيضًا أن تتزود بكم من المعلومات التي تشتعل بها جذوة الإيمان في قلبك بصورة أفضل؛ لأننا نريد تحريكا للإيمان، فإن الإيمان البارد لا يولِّد إلا ضعفًا وهوانًا، لذلك أنت تحتاج إلى جذوة إيمان قوية، وإن شاء الله تعالى بهذه الجذوة عندما تقف على (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) أعتقد هذا الكتاب سيُحدث لك نقلة نوعية عظيمة جدًّا في حياتك وفي تفكيرك.

أتمنى أن تركز على أن تكون الأول على الثانوية العامة على مستوى الأردن كاملاً، وهذا ليس ببعيد، أن تكون الأول، ثم بعد ذلك تجتهد أن تدخل كلية الشريعة، وأن تكون الأول في دراستك أيضًا، وأن تحاول خلال الدراسة أن تستغل أوقات الفراغ في التزود من العلم الشرعي منذ الآن؛ لأنك في حاجة إلى علم العقيدة الذي يربطك بالملك سبحانه وتعالى، والذي يجعل علاقتك مع الله تبارك وتعالى قوية، كذلك علم العبادات، كذلك أيضًا علم السلوك، وهذه أمور كلها من الممكن -إن شاء الله تعالى- أن تضع لها خطة، وعليك بصحبة الصالحين والدعاة المتميزين، حتى لا تخبو في نفسك هذه الجذوة الإيمانية الكبرى.

أسأل الله أن يثبتك وأن يحفظك، وأن يجعلك من صالح المؤمنين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً