الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخشى أن تسوء علاقتي بصديقي إن أخذت حقي.. فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

حصلت لي مشكلة مع صاحبي ظلمني في موضوع ما، واصطلحنا، لكن حقي لم يرجع لي، وإذا رجع فلن يرجع إلا بمشقة، لا أدري كيف أحصل على حقي، هل أسكت؟ أم أذهب لأخذ حقي؟ لكني أخشى أن تتطور المشاكل، أم أدعو عليه؟ وهل سيرجع حقي بالدعاء عليه؟ علمًا أني مجروح بسبب هذا الظلم.

أرجو الرد.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنسأل الله أن يفرج الكرب، وأن ينفس ما تعسر على البشر تنفيسه، وأن ييسر بقدرته ما كان عسيرًا على خلقه، وأن يلهمك طريق الصواب، وأن يرشدك إلى الحق، وأن يأخذ بناصيتك إليه، وأما بخصوص ما تفضلت به فإنا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:

أولا: ما تشعر به -أخي الحبيب- من مرارة الظلم الذي لحق بك دون أن تدفعه أو تعرف سببه أمر متفهم تمامًا، فالظلم مر ومذاقه أليم، لكن وحده الحر الحليم الذي يتجرعه ابتغاء مرضات الله عز وجل.

ثانيًا: يذهب مرارة ما تشعر به معرفة فضل العفو وثمن من تدثر به، استمع معي إلى ربك وهو يقول: ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) أي فضل وأي ميزة حين تعلم أن أجرك فيما كتمت وتجرعت على مولاك وخالقك.

هل تحب -أخي- أن يعفو الله عنك؟ بالطبع نعم، فما ثمن عفو الله عنك؟ قال تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )، هل تحب أخي أن يغفر الله لك؟ قال تعالى: {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }.

ثالثًا: ماذا لو علمت أن أحدًا يظهر لك المحبة والعداوة وهو يريد قتلك، نعم أخي يقترب منك في ثوب الواعظين، في لسانه حلاوة، وفي يمينه خنجر مسموم؟ ذكر الإمام ابن حجر في الإصابة أن فضالة بن عُمَيْر الليثي ذهب قاصداً قتل النبي – صلى الله عليه وسلم – أثناء طوافه بالبيت، فلما دنا منه، قال الرسول – صلى الله عليه وسلم - : "أفضالة؟!" قال: نعم فضالة يا رسول الله، قال: ماذا كنت تحدِّث به نفسك؟ قال: لا شيء، كنت أذكر الله!، فضحك النبي – صلى الله عليه وسلم – ثم قال: استغفر الله، ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه، فما كان من فضالة إلا أن قال: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خَلْقِ الله أحبّ إليَّ منه، وأسلم فضالة بهذا الصفح الكريم، وزالت من قلبه العداوة، وحلت محلَّها محبة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
انظر إلى تعامل رسول الله مع فضالة رضي الله عنه، وهو يعلم أنه يريد قتله.

رابعًا: هل تحب أن ترزق الحور العين في الجنة؟ فهل تعرف ثمن ذلك؟ قال صلى الله عليه وسلم: من كتم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره من الحور العين يزوجه منها ما شاء".

خامسًا: لن تستطيع -أخي الحبيب- أن تكبح غضبك المتدفق في صدرك إلا بهذا الدين، ومثل تلك الآيات وهذه الأحاديث هي من تساعدك على بلوغ ما تربو إليه، فالدين هو المهذب الحقيقي لأخلاق الناس، وانظر إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، وهو من هو قوة وشجاعة حين رأى الحلم والعفو من رسول الله خلقا قائمًا تأسى به فعن ابن عباس قال: قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ.. فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَاللَّهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ، وَلاَ تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ، فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ بِهِ، فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ بنُ قَيْسٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجِاهِلِينَ}، وَإِنَّ هَذَا مِنَ الْجَاهِلِينَ، وَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافاً عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ، وهذا يثبت أن الطبائع أخي تتأثر إيجابًا وسلبًا.

وأخيرًا: الانتصار لنفسك لن يزيدك رفعة، ولن يجلب لك صديقك، بل ستزيد الأمر تباعدًا، وتصبح العداوة أصلا، فاستعذ بالله واحتسبها عنده، ونسأل الله أن يرطب قلبك والله المستعان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • أوروبا Firas

    ممتاز.جدا جدا... شكرا لكم

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً