الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا أرغب بخوض تجربة الزواج وأفضل البقاء على بر الأمان، ماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة مخطوبة، شخصيتي بشكل عام حساسة وقلقة وانطوائية، أجلس لوحدي ساعات عديدة في اليوم، ولا أفضل الاختلاط كثيرا بالناس، زواجي بعد فترة قليلة، ولست متقبلة لفكرة الزواج إطلاقا، ولا أشعر بحب تجاه خطيبي أبدا، فأشعر أن مشاعري متبلدة.

عندما أتحدث معه أحدثه كشخص عادي وليس كخاطب، وأكون حذرة جدا معه، وأضع حواجز كثيرة أمامنا، وإذا بدأ بكسر هذه الحواجز، وحاول أن يكلمني كما يتكلم الخاطبين أنزعج، وأغضب كثيرا، وأبحث عن أي سبب لإنهاء المحادثة، ثم أنهمك بالبكاء لوحدي، حتى أصبحت أتجنبه كثيرا، ولا أطيق فكرة الزواج، وأخاف جداً، وأشعر بقلق شديد وكآبة، ولا أدري ما الحل؟

لقد قبلت الخطوبة تحت ضغوطات عائلية، ولم أكن راضية تماما، ولو كان الأمر بيدي لما تزوجت إلا بعد عدة سنوات، وافقت لأنهم قالوا إنه إنسان ذو خلق ودين، ولأنني رفضت قبله الكثير من الخاطبين، ولم أجد العذر للرفض هذه المرة، (لم يجذبني شكله وأسلوبه، وفارق العمر بيننا كبير)، ولكن أهلي لم يعتبروا هذه الأسباب مقنعة للرفض.

أنا في قمة الخوف والكآبة، وأشعر بأنني تائهة، ولا أريد الخوض في أي تجربة، وأرغب أن أبقى على بر الأمان، وخطيبي ينزعج من أسلوبي معه أحيانا، ولكني أبين له أن الموضوع مجرد خجل، وأعتذر له في كل مرة، وأعده بأن يتحسن الوضع، ولا أدري إن كان الوضع سيتحسن أم لا؟ كما أن فسخ الخطوبة امر صعب، وليس بيدي، ولا أدري ماذا أفعل، وكيف أتخلص من عقدتي النفسية هذه وأشعر بالسعادة والبهجة التي تشعر بها الفتيات في مرحلة الخطوبة والزواج؟

أنا منزعجة من شخصيتي، ومن كثرة التفكير والخوف، وأتمنى أن أجد الحل المناسب، ولا أستطيع الذهاب لأخصائي نفسي يساعدني في تخطي هذه المشكلة، فأرجو منكم النصحية، كيف أتعامل مع خطيبي؟ هل أخبره بمشاعري الحقيقة، أم أستمر على ما أنا عليه من مبررات الخجل، حيث أنه يسألني إن كنت راضية عنه أم لا؟ فأخبره بأنني راضية تماما، فهو يحبني، ولا أريد أن أجرح مشاعره، فليس له ذنب بمشكلتي، ولكن إلى متى سأكذب، وأخفي الحقيقة؟ فأنا لست راضية على الإطلاق، ماذا أفعل؟

أفيدوني بنصحكم جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمل حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

شكرا لك على الكتابة إلينا بهذا، ومن الواضح أنك متعبة من كل هذا، أعانك الله، وخفف عنك بعض معاناتك، ومن الواضح أنك لم تقرري بعد ما تريدين فعله، وهذا ربما لبّ المشكلة، -وكما قلت- أنك تائهة، ولنحاول أن نحلل الموقف، ومما يمكن مساعدتك به:

هناك عدة احتمالات:

الأول: أنه مجرد خجل، -وكما تقولين- لخطيبك، وأنت وأنا نعلم أن الموضوع ليس بالخجل.

الثاني: أنك ترغبين بالزواج، إلا أنك غير مرتاحة لهذا الخطيب، بحيث أنك لم تنجذبي إليه.

الثالث: أنك وبشكل عام غير مرتاحة للزواج، ولربما عندك حالة خوف من فكرة الزواج أصلا، وبغض النظر عن الخطيب، وخاصة أنك رفضت خطابا آخرين من قبل.

أنا أميل إلى أن نواجه الواقع الآن، مهما كان مؤلما، أفضل من مواجهته لاحقا بعد الزواج، وإنجاب الأطفال، وتعقد الأمور، فإذا كان عدم الارتياح لهذا الخطيب، فالأفضل أن تعبري عن رأيك في هذه المرحلة، فالانفصال وفكّ الخطبة أسهل منها بعد الزواج، حيث تتعقد الأمور، وكم من الزيجات تنتهي بالطلاق؛ لأن أحد الخطيبين، أو كليهما لم يرتح للآخر، وخاصة من ضغط الأهل والأسرة، ولو سمعوا لصوت شعورهم الداخلي، لجنبوا أنفسهم وغيرهم الكثير من الآلام والصعاب.

وإذا كان الاحتمال الثالث، وهو شيء من الرهاب أصلا من فكرة الزواج ككل، فالأفضل التعبير عن نفسك الآن، فهذا أسهل من المستقبل، وعلى ما يبدو أنه ولسبب ما، فأنت تعانين مما يمكن أن تعاني منه بعض الشابات من الخوف أو الرهبة من الزواج، وربما هذا بسبب أحداث معينة مرّت بك في طفولتك، سواء تعرضت لها، أو رأيتِها في أسرتك، كنوع المعاملة بين الزوجين، أو بسبب القصص والروايات، والأفلام الكثيرة التي تصور بعض النماذج السيئة، أو السلبية من الزيجات، حيث يمكن أن تتعرض الزوجة لسوء المعاملة من زوجها، أو بسبب ما تسمع عنه الفتاة من بعض الممارسات الجنسية السيئة، أو السلبية من قبل بعض الأزواج، فهناك أسباب متعددة يمكن أن تفسر ما يحدث معك، ولكن سواء عرفنا أو لم نعرف، فإن علينا حسن التعامل مع هذا الموقف وتجاوزه، وإن كانت هناك نماذج سيئة أو سلبية، فإن هناك نماذج كثيرة رائعة وناجحة عن الزواج السعيد، والأسرة الهانئة، وبسبب تكرار التجارب السابقة من طلب الزواج ورفضك للطلب، فقد تكرّست عندك هذه القضية حتى أصبحت مشكلة تحتاج للعلاج والحلّ.

فماذا يمكنك عمله الآن:

- أولا الإقرار الذاتي بأن ما تعانين منه حالة من رهاب الزواج، وأن عليك مواجهتها.

- رفع ثقتك بنفسك، وتذكري أنه طالما أن هناك طلاب للزواج منك، فهذا مؤشر قوي على أنهم يرون فيك الزوجة المثالية، فلا تنسي هذا وسط ضوضاء هذه المشكلة.

- تذكري أن التجنب والهروب لا يحلّ المشكلة، وإنما يجعلها تتفاقم، وتصبح مزمنة.

- انتهزي الفرصة التي أمامك الآن، سواء كان هذا الشاب أو غيره، المهم انتهزي هذه الفرصة لخوض غمار هذا الأمر، وعدم الهروب والاعتذار والتبرير والتجنب.

- تذكري أن هناك أسرة سعيدة، أنت عمودها الأساسي، تنتظر أن تخرج للوجود، والله مثيبك عليها خير الثواب.

- تذكري بأنه من الضروري ألا تفعلي هذا لمجرد الثواب، فسعادتك أيضا متوقفة ربما على المبادرة والتقدم والجرأة في متابعة الأمر.

- استعيني بإحدى قريباتك أو صديقاتك لتقف معك خلال هذه الفترة "الصعبة"، فالإنسان يحتاج أحيانا لمن يقف معه ويشدّ من أزره، وتذكري أن النقطة الأهم أن تتخذي قرارا فيما تريدين أنت، وليس أحد غيرك، فهذه حياتك، وأنتِ من سيتزوج، ولعل في هذا ما يفيد، وتذكري أيضا مقولة "فساد الأمر، أن تتردد".

وفقك الله، وشرح صدرك لما أنت مقبلة عليه، ورزقك صواب الرأي والقول والعمل، وأعانك على تكوين الأسرة السعيدة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً