الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من الاكتئاب المزمن الذي لا يستجيب للعلاج، فما العلاج المناسب لحالتي؟

السؤال

السلام عليكم

حتى نهاية 2008 كنت إنسانا سعيدا وناجحا في عملي ومحبوبا من معظم من أعرفهم، وكل ما كنت أعاني منه هو القولون العصبي والوسواس من النظافة والخوف من الأمراض المعدية، ولكن لم تكن لتعيق حياتي، وكنت أعمل، وكنت سعيدا، وتزوجت بنهاية 2008.

أعطاني أحد أصدقاء السوء الترامادول، فلم أكن أعرفه أو حتى أسمع عنه، فحسبته منشطا لوظائف الجسم، ويزيد من القدرة الجنسية، فبدأت آخذ الترامادول 50 MG بصورة متقطعة حسب ظروف عملي وبعدي عن المنزل، وبعدها بدأت آخذه أثناء العمل بعد نصائح مضللة أنه يزيد من التركيز وقوة التحمل والعمل في ورديات مختلفة، والجرعة استمرت على 50 MG، ولكن أصبحت بشكل يكاد يكون يوميا إلى أن أحسست بتغير في مزاجي، واضطرابات في النوم، ولم يعد الاستغراق أو الدخول في النوم بالمهمة السهلة، وأصبحت غير مقبل على الحياة كما كنت، وأصبحت حزينا.

سألت الشيوخ عن حالتي، ولكن شيئا لم يتغير، إلى أن رزقت بطفلي الأول، وأحسست أنه من الضروري أن أقف وقفة مع نفسي، وكنا في 2012 ومن يومها لم أرَ الترامادول إلى الآن، ولكن بدأت أحس بتوتر وقلق شديدين، وشبه انعدام للنوم، وجلد للنفس، وتأنيب للضمير رهيب، وكنت دائما ما أسأل نفسي وأقول أنت من فعل بنفسك ومشيك وراء صديق السوء، وكنت أقول لنفسي إن الكل سيعلمون ما جرى لي، وسوف يشمت بي الشامتون.

كنت أحسب أن كل ما أحس به هو أعراض الانسحاب، إلى أن أكد أول طبيب قصدته أنها ليست كذلك، وإنما هي أعراض اكتئاب، ومن يومها إلى الآن وأنا أتنقل من طبيب إلى آخر ولم تتحسن حالتي، مع أني مشيت على معظم أنواع مضادات الاكتئاب، وبالفترة التي كان يحددها لي الاطباء، ولكن للأسف لم يتغير شيء، وتركت عملي منذ حوالي سنتين إلى أن شخصت من قبل الأطباء على أنني مصاب باكتئاب مقاوم للعلاج.

وقالوا بأن هناك خيارا آخر وهو ECT، ولكنه لم ينفع معي أيضا ولم يطرأ أي تحسن على حالتي حتى لو بشكل بسيط، وآخر طبيب قال لي توصيف حالتي هو اكتئاب مزمن، وقال لي إن ECT لم يكن العلاج المناسبة لحالتك.

بالله عليك يا دكتور فأنا أب لطفلين صغيرين ليس لهما عائل سواي، فأرجو من حضرتك أن تصف لي علاجا يجعلني قادرا على العمل لأطعم أطفالي، ولتخفيف ما أعاني منه من إعياء شديد، وتوتر، وقلق، وعدم القدرة على الدخول في النوم أو الاحتفاظ به، وصعوبة في التركيز، وزغللة في العينين، وعدم وجود أي متعة في أي شيء.

وأرجو من حضرتك أن تخبرني ما هو التوصيف الدقيق لحالتي، ولكم جزيل الشكر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في الشبكة الإسلامية.

في حدود ما هو متاح من معلومات حسب ما ورد في رسالتك أقول لك إن التركيبة النفسية لشخصك الكريم أصلاً مبنية على القلق والتوتر والوسوسة، ومن ثمَّ تناولت الترامادول وما نتج عنه من أضرار أنت مُدركٌ لها تمامًا -الحمد لله- ولذا أقلعتَ عنه تمامًا.

والآن الحالة التي تعاني منها -أو منذ فترة- هي بالفعل أعراض اكتئابية، لكن ليس من المفترض أن تترك عملك، أعتقد أن هذا كان خطئًا كبيرًا، الاكتئاب نعم يُحبط الإنسان فكريًّا من حيث المشاعر، وكذلك السلوك والأفعال، لكن من المهم جدًّا أن يُفعِّل الإنسان نفسه مهما كانت مشاعره، هذا هو خطّ العلاج الأول للاكتئاب وليست الأدوية، الأدوية لها دور، لكن التغيير يأتي منك أنت أخي الكريم.

فانهض بنفسك الآن -أخي الكريم- والحمد لله تعالى بصيرتك ممتازة، ومن الواضح أنك رجل حسَّاس، ولديك منظومة قيمية ممتازة، ورزقك الله تعالى الذُّرية.

فيا أخي الكريم: هذه كلها إيجابيات يجب أن تدفعك لأن تُبدِّل حياتك، أولاً يجب أن تلتحق بعملٍ، على الصعيد الاجتماعي يجب أن تتواصل، وأهم شيء أن تستفيد من البكور، الآن دارسات كثيرة جدًّا أثبتت أن الاستفادة من الصباح، والإنسان حين يستيقظ ويُصلي ويُنزل على نفسه أفكار طيبة ويبتسم حتى ولو مع نفسه، هذا فيه رحمة كبيرة جدًّا وانفراج للاكتئاب.

دراسة كبيرة جدًّا من الهند، والذين قاموا بها علماء معتبرون جدًّا في مركز الطب النفسي في "بانغالور" أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن الذي يستفيد من فترة الصباح -بل ومجرد الابتسامة في الصباح- والحمد والشكر في حدِّ ذاتها تُعدِّل كثيرًا من كيمياء الدماغ. أنا حضرتُ هذا المؤتمر، وقرأتُ هذه الورقة، ورقة محكَّمة، وفيها كلِّ المتطلبات البحثية. فيا أخي الكريم: أرجو أن تستفيد من الصباح.

الأمر الآخر -كما ذكرتُ لك- هو: التواصل الاجتماعي، الذي يبني شبكة اجتماعية ممتازة يُعالج اكتئابه، وممارسة الرياضة، الرياضة أيضًا تُنظِّم كيمياء الدماغ.

لا تهتم بهذه المسميات (اكتئاب مقاوم، اكتئاب غير مقاوم)، المهم أنه لديك حالة اكتئابية، والطرق التي حدَّثتك عنها هي التي سوف تُعدِّل كثيرًا من كيمياء الدماغ لديك.

بعد ذلك: الأدوية لها دور أيضًا لا ننكرها، وأنا أعتقد أن عقار (ريمارون/ميرتازبين) قد تكون تناولته، ولكن أثق تمامًا أن هذا الدواء مفيد، ويمكن أن تكون جرعته 15 مليجرام ليلاً، أو يمكنك أن تتناول الـ (ترازيدون) وهو موجود في مصر، بجرعة خمسين مليجرامًا ليلاً، وتستمر على هذا الدواء لمدة شهرين.

إذا تحسّنت فهذا هو المطلوب، وإذا لم تتحسَّن هنا يمكن أن تُضيف الـ (سبرالكس) بجرعة عشرة مليجرام صباحًا، وتتابع مع طبيب أو تتابع معنا، هذا كله جيد وفيه خير -إن شاء الله تعالى-.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً