الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أدرس في الخارج وقلبي متعلق بفتاة في بلدي.. ماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزى الله القائمين على أمر هذا الموقع المبارك، فو الله إنه يفيدنا كثيرا -والحمد لله-، أتذكر بداياتي مع الموقع، وأنا في الحادي عشر من عمري، أنزّل المقاطع الدعوية من موقعكم المبارك، وما زالت صلتي بالموقع طيبة، فجزاكم الله عنا خير الجزاء وأثابكم رضاه.

أنا طالب هندسة كهربائية في بلد أجنبي، وتبقت لي ثلاث سنوات للتخرج بإذن الله تعالى، والحمد لله ملتزم بديني -زادنا الله ثباتا عليه-، ولكني أجد في نفسي اشتياقا للرفيق أو لشخص آنس إليه وأشاركه همومي، أحس أن لدي رغبة في أن يكون بقربي شخص أهتم به وأحبه! أجدني ككتلة مشاعر يمنعها الحياء والخوف من الله من أن تقارب ما لا يرضى الملك.

أحاول طرد هذا المشاعر، ولكن بدون فائدة، فأقعد الأيام والليالي ذوات العدد والحزن مطبق عليّ، حينها أفقد القدرة على عمل أي شيء، حتى المذاكرة التي اغتربت من أجلها، كما أن العبادات تصبح ثقيلة عليّ جدا وقتها.

أجلس وكأني أتمنى أن يأتي من حبيب لي يؤنسني، ويذهب ما بي من وحشة واشتياق.

تأثرت دراستي جدا، مع العلم أنني من المبرزين جدا والمتفوقين على مستوى بلدي بفضل من الله عز وجل.

لا أبرح التفكير دوما عن فتاة ملتزمة، وعلى خلق ودين كانت تدرس معي في بلادي في نفس التخصص إلى أن اغتربت أنا خارج البلاد، لا نتحدث أبدا ولا نتواصل.

كم أتمنى أن أتزوجها، مع علمي بوجود كل هذه الموانع من صغر سننا، وعدم إكمالنا للدراسة واغترابي أيضا، لكن بالي دائم الانشغال بها ونفسي تتوق إليها جدا، وأتمناها حليلة لي.

ولا أظن أن خطبتها شفاء لحالي وأظن أن الزواج غير ممكن والله أعلم، وأخاف جدا أن يسبقني إليها ويتزوجها أحد غيري، خصوصا أنها على خلق ودين وحسن وملاحة -تبارك الرحمن-.

أتقي المناظر الخليعة للفتيات هنا بعد تقوى الله وصبري بتذكرها هي، وكأنني أصابر وأرابط كي أستحقها.

أحيانا أقرأ استشارات تقول أن املأ فراغك، وأن ما بك إنما هو لفراغك، وعليك أن تشتغل بما ينفعك وغيرها من النصائح التي أطبقها، فأشترك في دورات لتدبر القرآن الكريم، وأقرأ كتبا دينية مفيدة، ولكن لا تنفك عني مشاعري أبدًا، حتى إذا سكنت للراحة أتذكر وتراودني خواطري عن نفسي، ولا أخلد إلى النوم إلا وطيفها زائر عزيز لي.

هل هذا -رضي الله عنكم- بسبب الغربة التي أعيشها أم ماذا؟ لأنني طالما جلست مع نفسي أتساءل هل مشاعري حقيقة تجاهها أم لأنني مفارق للأهل والأصحاب؟ وماذا يجب أن أعمل لمجابهة مشاعري وكبح جماحها؟ لأنني أريد التفوق وأحقق هدفي الذي جئت من أجله وأن أرجع سالما غانما متفوقا.

أحبكم في الله لما تقومون به من عمل طيب، وأرجو أن تتكرم علينا أناملكم الفياضة وتجود بالحل والدواء.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Mohamed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أخي الحبيب- في موقعك إسلام ويب، وإنه ليسرنا تواصلك معنا في أي وقت، ونسأل الله أن يحفظك وأن يرعاك وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.

أخي الكريم: دعنا ابتداء نحمد الله إليك تدينك وحرصك على طاعة الله تعالى وملازمة القرآن، وهذا يدل على خير فيك، نسأل الله أن تكون خيرا مما نظن.

كما نحمد الله على تفوقك، وهذا والله أمر يسرنا ويسعدنا، فالأمة تحتاج إلى سواعد أبنائها وعقولهم.

أخي: ما حدث معك من اشتياق إلى امرأة تكون بجوارك زوجة لك هو أمر طبيعي، لا ينبغي أن تهرب من هذه الحقيقة، فأنت الآن في فترة المراهقة، ومن خصائص تلك الفترة الحنين إلى الجنس الآخر والتفكير في شريكة العمر، وهذا الأمر إذا لم يحدث للإنسان في هذه الفترة يعد أمرا غير طبيعي.

وعليه فلا ينبغي أن تتهم نفسك أو توبخها لمجرد التفكير في هذا الأمر.

أخي الكريم: الدواء الذي طلبته يندرج تحت العناصر التالية:
1- الإيمان بأن قدر الله غالب، وبأن المرأة التي كتبها لك زوجة لن تكون لغيرك، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ)، وهذا يعني أخي أن يطمئن فؤادك وأن تهدأ النفس؛ لأن زوجتك المقدرة ستأتي في الوقت المقدر المحدد فلا تقلق.

2- المذاكرة أمر جيد وهام، ولكن الموازنة بين متطلبات الحياة أمر أهم، فالبدن له حق والنفس لها حق والصاحب والجار والصديق له حق وتوزيع الحقوق يريح النفس ولا يحملها ما لا تطيق، وأما التغافل عن أحد الحقوق يعطي الشيطان فرصة أن يحول هذا الحق المضيع إلى عاطفة غير مبصرة يصرفها الشيطان إلى مراده.

ودعنا نضرب مثلا: لو كانت علاقتك الاجتماعية ضعيفة أو دون المستوى المطلوب، وأخذت من هذا الحق إلى المذاكرة فحتما سيأتي عليك الوقت الذي تحن فيها للاجتماعيات، هنا ينتهز الشيطان تلك الفرصة لتحويلها إلى عاطفة مرادة ومضخمة؛ ولأن أصل وجود العاطفة موجود بحكم الفطرة عندك كشاب يأخذ الأمر أكبر من حجمه بكثير حتى يحتل معظم الوقت، وهذا بعض ما حدث معك.

وللتغلب على هذا الأمر لا بد من توزيع الحقوق والواجبات بصورة متوازية.

فالمذاكرة لها وقت، والرياضة لها وقت، والعبادة لها وقت، والاجتماعيات لها وقت، والأهل وصلة الرحم لها وقت فأعط كل ذي حق حقه.

3- أخي الكريم: الفراغ بلا شك أحد الأسباب، ولذلك من التوجيهات المطلوبة أن تشغل أوقاتك كلها، ولكن حسب التوازي الذي تحدثنا عنه في النقطة السابقة.

4- قديما قالوا: الرياضة صخرة تتحطم عليها الشهوات، لذلك ننصحك أخي بتخصيص وقت للرياضة على أن يكون بصورة مستمرة.

5- للصحبة دور هام تضخيم ما وجدت أو إضعافه، فغالب اهتمامات الشباب تسري بين أفراد المجموعة بلا استئذان لذلك انتق جيدا أصحابك، وخذ منهم ما يعينك على طاعة الله تعالى وما يعينك على التوازن المطلوب.

6- لُذْ بالله يا أخي، فما خاب عبد اعتصم بالله وارتحل إليه، حافظ على صلاتك وسننك الرواتب، فلها تأثير قوي في تهذيب الشهوة.

7- أكثر من الصيام وتذكر حديث رسول الله تعالى: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ! مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وجاء.

8- أكثر من الحديث مع أرحامك وأهلك وإن كان لك والدين أو أحدهما على ظهر الحياة، فاستعن بعد الله بدعائهم.

نسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك، وأن يقدر لك الخير، وإنه ليسرنا تواصلك معنا في أي وقت، ونحن بانتظار رسالة منك تبشرنا بحالك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً