الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف نتصرف مع أخينا الذي لا يحسن التعامل مع والديه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أخي شاب يبلغ من العمر 36 سنة، هو إنسان خلوق، يخاف الله ويصلي، لكنه لا يحسن معاملة والديه، ولا يكلمنا إلا قليلا إذا رآنا في بيت أهلنا أنا وأختي، أما خارج البيت فهو مختلف، يمزح معنا ويزورنا ويلعب مع أطفالي، ولا نعلم لماذا يعامل والديه ببرود، ولا يحب أن يتحدث معهما، رغم أنه يحبهما، وخاصة داخل البيت وحينما ينهض صباحا أو بالأحرى هو يستيقظ ظهرا، ويقول إن سبب استيقاظه متأخرا أنه يمضي الليل في عمله.

أحيانا يكاد يضرب أمه أو قد يدفعها، فقط لأنه لم يجد قميصه أو أي شيء، أو أنها أصدرت ضجة فأيقظته، لكنه إذا خرج من البيت تغير مزاجه، فماذا نفعل معه؟ كيف نعرف إن كان مسحورا؟ هل يجوز الذهاب به لإجراء رقية شرعية؟ علما أني أرقيت البيت لكن لم يتغير شيء.

عذرا للإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حنان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول مستعينا بالله:

أعظم مشكلة عند أخيك هي ضعف إيمانه، لأنه لو كان قوي الإيمان لما تعامل مع والديه بهذه الطريقة، فهو يعتقد أنه يجب على والدته أن تقوم بخدمته، بحيث تجهز له كل ما يريده قبل أن يطلب ذلك، بحيث يصحو فيجد طعامه وقهوته وملابسه جاهزة، وربما لا يكلف نفسه حتى بكلمة طيبة لوالديه.

ضعيف الإيمان وإن أعطى لوالديه المال فإنه يمن عليهما بذلك، وما علم أنه مهما بذل فلن يوفي والديه حقهما، ففي الحديث أن رجلا قال للنبي -عليه الصلاة والسلام-: "من أحق الناس بصحابتي يا رسول الله؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أبوك»" وقال: (لا يَجزي ولدٌ والدًا، إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه).

كثير من الناس ليس عندهم لا سحر ولا عين، فإذا كانوا خارج البيت كانوا في غاية الأخلاق، فإذا دخلوا كانوا أسودا، ومن هنا قال عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي).

ما لم يكن الولد صاحب دين متين وإيمان قوي فإنه لن يشعر بحق الوالدين، ولن يشعر بما عانيا إلا إن تزوج وبدأ يرى بأم عينيه المعاناة الحقيقية، ولن يشعر إلا إن فقدهما، وحينئذ يتحسر ويتمنى لو كان بر بهما، ولات ساعة مندم.

تعامله الجاف معك ومع أولادك إن وجدكما في البيت ناتج عن جفوة تعامله مع والديه، فهو لا يريد أن يظهر حسن تعامله معكم حتى لا يرى ذلك والداه، فهو يريد أن يظهر أن هذا هو تعامله مع الناس كلهم.

أوصيك أن تجتهدي في تسليط بعض أصدقائه الصالحين للأخذ بيده ولتوجيهه التوجيه الصحيح، فلعل الله يصلح شأنه، وأكثري من الدعاء له وأنت ساجدة وسلي ربك أن يصلحه ويلهمه الرشد ويرزقه بر والديه.

اجلسي معه وانصحيه وذكريه بحقوق والديه ووجوب الإحسان إليهما، وأن حياته لن تكون سعيدة ما لم يبر بهما ويتذلل بين يديهما، وذكريه بقول الله تعالى: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) وكذلك بالأحاديث التي تأمر ببر الوالدين.

من أسباب شراسة الأخلاق تأخير أداء صلاة الفجر فلا يصليها إلا بعد الظهر أو بالليل، فالمستيقظ من النوم وقد كان نام عن صلاة الفجر يصبح خبيث النفس كسلان، يقول عليه الصلاة والسلام: «يَعْقِد الشَّيطان على قافية رأس أحدكم -إذا هو نام- ثلاث عقد، يضرب كلَّ عقدة: عليك ليلٌ طويلٌ فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلَّت عقدةٌ، فإن توضَّأ انحلَّت عقدةٌ، فإن صلَّى انحلَّت عقدةٌ، فأصبح نشيطًا طيِّب النَّفس، وإلَّا أصبح خبيث النَّفس كسلانَ» فتعامله القاسي لهذا السبب وغيره، الذنوب والمعاصي من أسباب سوء الخلق؛ لأن الأخلاق الرفيعة من أعظم الرزق الذي يهبه الله للعبد، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول:(وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه).

نوصيه برقية نفسه صباحا ومساء بما تيسر من القرآن والأدعية النبوية، وهذا يحتاج منه إلى تقوية إيمانه، لأنه لن يقبل طالما وإيمانه فيه ضعف، وكذلك لا بأس بأن يرقى لدى راق أمين وثقة إن قبل ذلك.

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يصلح أخاك ويلهمه الرشد ويرزقه بر والديه، إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً