الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من وسواس أمراض القلب والجلطات.

السؤال

السلام عليكم.

بسم الله الرحمن الرحيم
ألتمس من القائمين على هذا الموقع إفادتي في أسرع وقت مع جزيل الشكر لسيادتكم.

منذ فترة غير قصيرة وخاصة بعد ظهور فيروس كورونا أصبحت صحتي العضوية ليست على ما يرام، وأصبحت كثير الشكوى وخاصة فيما يتعلق بأمراض القلب والرئة والشعب الهوائية، فدائما ما أتردد على العيادات والصيدليات فيما يخص هذه الناحية من جسمي، فقبل أن تأتي جائحة كورونا كان كل ما يصيبني هو القولون العصبي مع حصوة متوسطة الحجم في كليتي اليسرى، وكنت آخذ علاجهم بانتظام، وكان سبب الحصوة كثرة شرب القهوة، أما سبب القولون العصبي فهو التوتر والقلق والضغط النفسي.

فيما يتعلق بظروفي الشخصية غير المستقرة فلقد تلقيت صدمات نفسية كثيرة في آخر ٤ سنوات فيما يتعلق بمستقبلي الجامعي، فمنذ سنة تم فصلي مؤقتا من كليتي (صيدلة) لكي أحضر موقفي من التجنيد نظرا لأنني تخطيت السن المسموح، وهو ٢٩ عام، فبقيت لمدة عام أعاني من الفراغ في كل النواحي، لا عمل لا دراسة، انطوائي معظم الوقت، وعانيت من اكتئاب ولكن أظنه غير حادا؛ لأنني كنت أتناساه بالهروب من واقعي، فكنت أستيقظ من نومي أتناول فطوري أو غذائي حسب وقت الاستيقاظ وأخرج لأقضي وقتي في المقهى، علما بأنني مدخن منذ عشر سنوات، كنت أدخن السجائر وتركتها لفترة قصيرة، ولكنني أصبحت أدخن الشيشة لمدة ٥ سنوات متواصلة تقريبا، وخاصة في السنة السابقة قبل جائحة كورونا كنت أدخنها كثيرا في اليوم فكنت أقضي أكثر من نصف يومي في المقهى ولكن تم منعها من المقاهي وعدت إلى السجائر بمعدل ٥ سجائر يوميا.

وبعد أن تم وضع حظر التجوال بسبب كورونا زاد اكتئابي نظرا لأنني تعودت على تقضية وقتي مع أصدقائي وفي المقهى، فأصبح وقتي كله في المنزل ولكنني كنت أخرج عندما يفتح الحظر أمارس رياضة الجري، فأنا وبفضل الله أحب الرياضة كثيرا من صغري وخاصة كرة القدم والركض، ولكن في نفس الوقت كنت أضع نظام غذائي قاسي قليل السعرات وهذا ما ندمت عليه؛ لأن الركض يحتاج لتغذية جيدة، فبدأت أشعر بأعراض مخيفة أصابتني بالهلع والذعر وخاصة عند الاستيقاظ، فعند نومي أصبحت أعاني من انقطاع التنفس النومي ومن ثم هبوط في الدورة الدموية فور الاستيقاظ، فكنت أشعر أن الدم ينسحب من رأسي ويضيق تنفسي إلى أن يكاد ينقطع فأقوم هلعا وذعرا، وأصابتني نوبة الهلع مرتين في هذه الأيام.

أجريت تحاليل الدم وكانت ولله الحمد سليمة، وأجريت الـ ECO، ورسم القلب وقال لي الطبيب أن لدي حالة تدعى (Sinus Tacchycardia)، وقال لي أنها تمثل زيادة قي معدل ضربات القلب عن الطبيعي وسببها الخوف، والتوتر الزائد، والضغط التنفسي فقط، وأنه يجب أن يكون نمط حياتي هادئا وأبتعد عن الضغوطات والتوتر النفسي لكي لا تتفاقم، ولكنني منذ أن شخصت بهذه الحالة أصابني وسواس أمراض القلب والجلطات، فأنا أخاف جدا من هذا النوع من الأمراض وخاصة أنني شاهدت أعراضها على والدي وهو يصاب بجلطة قلبية حادة، وتم تعافيه منها ولله الحمد بتركيب دعامتان في الشرايين التاجية بالقلب، علما بأن والدي يبلغ من العمر ٦٤ عام ويعاني من اكتئاب شديد مما وضع أثرا علي أنا وأمي وإخواتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأسأل الله لك العافية والشفاء.

المخاوف سلوك مكتسب ولا شك في ذلك، وأتفق معك تمامًا أن جائحة كورونا أدخلت على الناس متغيرات كبيرة في مناحي حياتهم الاجتماعية والنفسية والوجدانية والمهنية، والتأثُّر والجوانب السلبية تفاوتت من إنسانٍ إلى آخر، فأيضًا تحمُّل الناس يختلف ويتباين.

أيها الفاضل الكريم: هذه الجائحة مشكلة أصابت العالَم كلّه، وهذه نُسمِّيها بـ (عالمية المأزق) أي أن الأمر أصاب الدنيا كلها ولم يصب فردًا بمفرده، وحين تكون الكوارث أو المآزق أو الأمراض عالمية الانتشار يجب أن ينظر لها الإنسان بعموميتها ولا يُشخْصِنها، يعني: ألَّا يجعلها تنطبق عليه فقط، كأنه هو الوحيد في هذا العالم الذي تعرض لمثل هذه الجائحة.

هذا الشعور بالعالَمية والشعور بالعمومية فيه متنفّس عظيم جدًّا، كما أشار إلى ذلك كل علماء النفس والسلوك. هذا لا يعني ألَّا يتخذ الإنسان التحوطات، لا، الإنسان يتخذ تحوطاته، ويأخذ بالأسباب، وفي ذات الوقت يحاول أن يتوائم ويعيش الحياة بكل قوة.

هذه هي نصيحتي لك من حيث الناحية الفكرية، وكيفية استيعاب هذا الوضع الذي نحن فيه.

ويا أيها الفاضل الكريم: الإنسان يمكن أن يوظّف وقته، أنا أعرف مَن شرعوا في حفظ القرآن خلال هذه الفترة، والحمد لله تعالى حفظوا عدة أجزاء من القرآن الكريم، وهنالك من قرأوا كتب، وهنالك من استفادوا كثيرًا من الإنترنت مثلاً، من حيث القدرة على التواصل واكتساب المعلومات، فليس الجلوس في البيوت أمرًا لا يمكن أن نستفيد منه، بل نستفيد منه، نحثُّ أُسرنا على حلقات القرآن في داخل المنزل، نقرأ مع بعضنا البعض أي شيء في كتب السنة: في رياض الصالحين، صحيح البخاري، صحيح مسلم، نتسامر، نتجالس ... أمور كثيرة جدًّا يمكن للإنسان أن يقوم بها، وقد فعل الكثير من الناس ذلك، لذا لا يحسُّون بتوتر ولا بكآبة ولا بخوف.

عمومًا: أنا أريدك – أيها الفاضل الكريم – أن تُغيّر مفاهيمك، وأن تكون إيجابيًا في تفكيرك. الذي يظهر لي أنه لديك شيء من القابلية للقلق، لذا قد تكون كنت أكثر تأثُّرًا من غيرك.

وأنت ذكرت أن الطبيب ذكر لك أنك تعاني ممَّا يُعرف بالـ (Sinus Tacchycardia) هذه – أيها الفاضل الكريم – حالة طبيعية، نعم هناك زيادة في معدّل ضربات القلب عن الشيء الطبيعي، لكن الضربات منتظمة وسليمة، وهذا يدلُّ تمامًا أنه ليس لديك أي مشكلة في كهرباء القلب، القلق نفسه يؤدي إلى زيادة ضربات القلب، الإجهاد النفسي يؤدي إلى ذلك، ممارسة الرياضة في وقتها تؤدي إلى ذلك أيضًا، فهذا الأمر أمرٌ بسيط وأمرٌ طبيعي، ولا تربط هذا الأمر بما حدث لوالدك، والدك الحمد لله تعالى الآن هو في صحة طيبة وتامّة -إن شاء الله تعالى-.

أنا أعتقد أنك محتاج لأحد مضادات القلق والتوترات، عقار مثل الـ (سبرالكس Cipralex) والذي يُسمَّى علميًا (استالوبرام Escitalopram) سيكون دواءً مفيدًا جدًّا لك، يمكن أن تبدأ في تناوله بجرعة خمسة مليجرام – أي نصف حبة من الحبة التي تحتوي على عشرة مليجرام – تناولها لمدة عشرة أيام، ثم اجعل الجرعة عشرة مليجرام – أي حبة كاملة – يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، وبالمناسبة هذه جرعة صغيرة جدًّا. بعد انقضاء الثلاثة أشهر اجعل الجرعة خمسة مليجرام يوميًا لمدة أسبوعين، ثم خمسة مليجرام يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين، ثم توقف عن تناول الدواء.

ويمكن إضافة دواء آخر للسبرالكس، هذا الدواء يُعرف تجاريًا باسم (إندرال Inderal) وهو يتبع لمجموعة من الأدوية التي تُسمَّى (كوابح البيتا) والتي تعمل على تنظيم ضربات القلب وتجعلها في المعدّل الطبيعي، وذلك من خلال تنشيط الجهاز العصبي اللاإرادي أو ما يُعرف بالجهاز السمبثاوي (Sympathetic).

الإندرال يُسمَّى علميًا باسم (بروبرانولول Propranolol)، وهو دواء سليم، دواء بسيط جدًّا، وأنت تحتاج له بجرعة بسيطة، فأرجو أن تتناوله بجرعة عشرة مليجرام يوميًا في الصباح، وكذلك عشرة مليجرام في المساء لمدة شهرٍ واحد، ثم تجعلها عشرة مليجرام في الصباح لمدة شهرٍ آخر، ثم يمكنك أن تتوقف عن تناوله.

بهذه الكيفية -أيها الفاضل الكريم- إذا جمعت ما بين العلاج الدوائي زائد الإرشادات السلوكية والنفسية التي تحدثنا عنها؛ أنا أعتقد أن صحتك النفسية سوف تتطور بصورة إيجابية جدًّا، وتحس -إن شاء الله تعالى- بالرضا والارتياح النفسي.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً