الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما سبب عدم التوفيق وضيق الرزق؟

السؤال

السلام عليكم.

أعاني من عدم التوفيق الدائم في أمور حياتي، أجتهد بشدة ولكن بلا طائل، أسعى وأتعب جدا، ولكن يتوقف كل شيء في النهاية، ولا فائدة! أجتهد بشكل مبالغ به جدا ولا يتم لي أمر، منذ 9 شهور أبحث عن عمل ولم أجده، طلبت من الله رزقا أحصل منه تكاليف الزواج، لأني خاطب، وأنا مهندس مدني، ومن قلة الرزق أقسم بالله بحثت عن أي عمل آخر براتب معقول، وقدمت في أماكن كثيرة فوق الوصف، ولا شيء مُبشر، محتار في أمري، ولا أعرف السبب؟ علما أن أهلي وكثير من الناس يدعون لي، وأنا بار بأهلي.

علما أني أصلي بانتظام الفروض والنوافل وركعات زيادة ابتغاء مرضاة الله، وأقرأ القرآن، وأداوم على الذكر، وأتقي الله قدر استطاعتي، وأقسم بالله أنا لا أعبد الله على حرف، ولكن لا يزال عدم التوفيق يلازمني! ولا أمد عيني لرزق الآخرين، ونيتي أن أؤدي الزكاة عندما أحصل على المال، ومع ذلك لا أوفق ولا أجد عملا.

ماذا أفعل؟ والله لا أعرف أين العيب أو الخطأ، ويضيق صدري ولا ينطلق لساني، قلبي حزين لدرجة الوجع من كثرة ضيق الرزق والسعي الكثير وبلا فائدة، أبكي كثيرا في الصلاة وغيرها، فلو عندكم حلا أفيدوني، هل حقا كتب الله على البعض الشقاء مهما فعل وتعب واجتهد، وسيظل في شقائه حتى وفاته، وأنا منهم، أم ماذا علي أن أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أخي الحبيب- في موقعك إسلام ويب، وإنه ليسرنا تواصلك معنا في أي وقت، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدر لك الخير حيث كان وأن يرضيك به.

وبخصوص ما تفضلت به فنحب أن نجيبك من خلال الأمور التالية:
أولا: إننا نحمد الله إليك هذا العقل الذي متعك الله به، في الوقت الذي يعاني منه آلاف الشباب من ضمور عقلي، نحمد الله إليك نعمة الصحة والعافية في الوقت الذي يرقد فيها شباب في مثل عمرك أقصى أمانيهم أن يمر عليهم يوم بلا ألم، نحمد الله إليك بداية الطريق وأنت في العشرين في الوقت الذي يراسلنا بعض الشباب في منتصف الأربعين ولم يعرفوا بعد بداية الطريق، نريد أن نقول لك من خلال ما مضى -أخي الحبيب- أن طبيعة الحياة: مجبولة على البلاء، مقرونة بالتعب والنصب، تتفاوت في البلاء شدة وضعفا، تلك طبيعة الدنيا التي خلقنا الله فيها، فهي دار ابتلاء كما قال الله تعالى: (ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَوٰةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفُورُ) فالله يبتلى عباده لينظر أيهم أحسن عملا، تلك طبيعتها -أخي الكريم-، ما من أحد إلا وله نصيب من البلاء، وقد أحسن من قال واصفا الدنيا:
جبلت على كدر وأنت تريدها ،،، صفواً من الأقدار والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها ،،، متطلبٌ في الماء جذوة نار
فالعيش نوم والمنية يقظة ،،، والمرء بينهما خيال سار
وإذا رجوت المستحيل فإنما ،،، تبني الرجاء على شفير هار

وهذا لا يعني أن نرضى بالألم وأن نستسلم للضرر دون تغيير، لا أبدا، بل غاية الأمر أن نعلم أن هذا بلاء، وعليك أن تتعامل معه على أنه محنة يريد الله بها أن يرى صبرك وثباتك، ثم يخلفك من بعدها منحا لا تتوقعها.

ثانيا: اعلم كذلك -أخي الحبيب- أن البلاء لا يقع إلا لحكمة، ولا يقع إلا بإذن من الله، وعليه فهو مراد من لله عز وجل، يعلم الله به الخبيث من الطيب، يبلونا ليعلم أينا أحسن عملا، وعدل الله قضى أن يقسم البلاء على جميع خلقه، كل بقدره، فمن الناس من يبتلى في بدنه، ومنهم من يبتلى بالفقر، ومنهم من يبتلى بالجهل، ومنهم من يبتلى في ولده أو زوجه أو والده أو أمه، الشاهد أن البلاء يتنوع، وهو في النهاية موزع على خلق الله عز وجل، قال الله تعالى: "ألم * أحسِبَ الناسُ أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون".

ثالثا: المؤمن -أخي الحبيب- يعلم قطعا أن الله لا يريد له إلا الخير، وأن ما هو فيه هو الخير له قطعا، ويؤمن أنه قد يتمنى الشر يظنه خيرا ولا يدري، وقد يبتعد عن الخير عمدا وهو لا يعلم، قال تعالى:" وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم".

رابعاً: الله لا يضيع أجر من أحسن عملا -أخي الكريم-، ضع هذه نصب عينيك، ليس هناك شيء يسمى: الله كتب علي الشقاء أو الفقر! فلا يجب أن أعمل ولا يجب أن أتعب، هذا كلام لا يستقيم! واستمع إلى هذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد وابن ماجة والترمذي عن أبي خزامة أو أبي خزامة عن أبيه، قال: يا رسول الله! أرأيت رقى نسترقيها، ودواء نتداوي به، وتقاة نتقيها، فهل تردُ من قدر الله شيئًا؟ قال : « هي من قدر الله » فالأسباب من قدر الله، ويجب فعلها والعمل بها، ولا يخيب الله عبدا فعل ما عليه، ومن أجود ما قاله محمد إقبال: إن المسلم البصير الفقيه في دينه، هو الذي يدفع قدر الله بقدر الله، ويفر من قدر الله إلى قدر الله، والمؤمن الضعيف يحتج بقضاء الله وقدره، والمؤمن القوي يرى أنه قدر الله الذي لا يُغلب، وقضاؤه الذي لا يرد.

وعليه فإننا نريد منك ما يلي:
1- دراسة جدوى لعملك الذي تود القيام إليه، أو قراءة وضع سوق العمل، واستعن بأهل الخبرة، وابدأ صغيراً وسوف تكبر حين تفهم وضع السوق، المهم ألا تركض من غير وجهة صحيحة لك، بل حدد الهدف ثم ابدأ بالسير إليه.
2-النجاح لا يأتي إلا على جسرٍ من الفشل، فلا تيأس من المحاولات وإن كثرت، فكل منها ستضيف إليك رصيدا من الخبرة، فلا تتوقف فأنت لا زلت في بداية حياتك -أخي الكريم-.
3-قم بواجبك واعلم أنك مُعانٌ! نعم أنت معانٌ فقد قال صلى الله عليه وسلم :"“ثلاثةٌ حقٌّ على اللهِ عونهم: المجاهدُ في سبيلِ اللهِ، والْمُكَاتَبُ الذي يريدُ الأداءَ، والناكحُ الذي يُرِيدُ العفافَ”. وأنت تريد الزواج للعفاف، ونحن واثقون من عون الله لك، ما عليك إلا السعي والصبر.

خامسا: هناك أسباب ذكرها أهل العلم في أسباب زيادة الرزق نريدك أن تكثر منها:
1- الاستغفار: قال تعالى: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (*) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً (*)وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً ﴾ قال المفسرون: هذه الآية دليل على أن الاستغفار يُستَنزل به الرزق والأمطار.
وقد جاء رجل إلى الحسن البصري فشكا إليه الجدب، أي قلة المطر، فقال: استغفر الله، ثم جاءه آخر فشكا الفقر فقال: استغفر الله، ثم جاءه آخر فقال: ادع الله أن يرزقني ولداً؟ فقال: استغفر الله، فقال أصحاب الحسن: ما هذا؟ سألوك في مسائل شتى، وأجبتهم بجواب واحد، وهو الاستغفار، فقال رحمه الله: ما قُلت من عندي شيئاً، إن الله تعالى يقول:
﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (*)يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً (*)وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً ﴾.

2- التوكل على الله مع أخذ الأسباب: فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أَنَّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو أنَّكم كنتم تتوكلون على الله حقَّ توكلهِ، لَرُزِقتُمْ كما تُرْزقُ الطَّيْرُ، تَغْدو خماصاً وتَرُوحُ بِطاناً ) فربط النبي صلى الله عليه وسلم التوكل الحق بالسعي على الرزق
3- المتابعة بين الحج والعمرة: فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم :( تَابِعُوا بين الحج والعمرة، فإنهما يَنْفِيان الذُنُوبَ والفقر كما ينفي الكيرُ خَبَثَ الحديد والذهب والفضةِ ).
4- صلة الأرحام: فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:
( مَن سَرَّه أن يَبسُطَ اللهُ عليه في رِزْقِهِ، أو يَنْسَأ في أثرِه، فَلْيَصِلْ رحمه ).
5- الصدقة فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:( قال الله عز وجل: يا ابن آدم، أنفقْ أُنفِقْ عليك، وقال: يد الله ملآى، لا يَغيضُها نفقة، سحَّاء الليل والنهار ).
6- المداومة على الدعاء : الدعاء سهم صائب متى ما انطلق من قلب صادق، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء ومن قوله ( اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، وعذاب القبر ) وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( تعوذوا بالله من الفقر، والقلة، والذلة، وأن تَظْلِم، أو تُظْلَم ).
7- من أسباب الرزق كذلك: التبكير إلى طلب الرزق، فعن صخر الغامدي رضي الله عنه، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ( اللَّهُمَّ باركْ لأُمَّتِي في بُكُورِها ).

وأخيراً: افعل ما عليك فعله، واستعن بالله واصبر، وكن على يقين بأن الفرج قريب، وثِّق علاقتك بالله أكثر وأكثر، واعلم أن طلبك عند الله هين.

نسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك، وأن يقدر لك الخير، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً