الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عائلتي تحتقرني وتقلل من شأني خاصة أخي!!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة، عمري 23 عاماً، غير متزوجة، منذ صغري وأنا أرى أناساً يحتقرونني ويقللون من شأني، ولا يعتبرون لي وجوداً بينهم، وينعتونني بالمجنونة، وليس لدي أصدقاء، ولا أحوز علامات مرتفعة، دائماً ما أحصل على القليل!

كما أن أمي وأبي يحبون إخوتي أكثر مني، صحيح أنهم في الأمور المادية لا يقصرون، وأيضاً في الاطمئنان عليّ، ولكني أرى أن إخوتي وأخواتي لديهم من المحبة من قبل والدي الكثير، أما أنا فلا، كما أن الآخرين ينظرون لي باحتقار، وأيضاً أخي يستقوي علي، وأصبح يذلني لدرجة أنه كان يهددني بالضرب إن درست بصوت عال. أصبحت أكره الدراسة، فإذا طبخت الأكل، ووجد طعمه غير لذيذ يقوم بإهانتي، ويتدخل في كلامي، ولا يحب أن أكلمه بأسلوب فظ، يحاسبني على النظرة، ويتدخل في خروجي من المنزل، أصبح رأسي ينحني عند رؤيته، ويداي ترتجفان، والكلمات تختفي عند وجوده، وأمي تقف بصفه وتقول: هذا سندك، لا بد أن تحترميه.

وما زاد الطين بلة: مساعدة أختي وأبي له في إهانتي بالشتائم والتهديدات المستمرة بالضرب، والله تعبت! وأصبت بالرجفة في جميع أنحاء جسدي، وضيقة في التنفس، أخي أصبح يحرض أمي عليّ بعد أن توقف عن إهانتي، فهو يهينني؛ لأني ليس لدي قيمة عند والدي، وعندما أشكو لأمي تقول عني حقودة، وظالمة، لا تتكلمي عنه بسوء، فهل تريدين له الموت؟ أصبحت أعقها، فغضبت علي، وفي كل مرة تحاربني بدلاً من أن تواجهه! تمردت على أمي وأبي وأخواتي، أصبحت أخاف من كل شيء، أصبحت لا أعتني بنفسي، كرهت حياتي، أمي تدافع عنه باستمرار هي وأخواتي حتى لو كان هو سبب المشاكل.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ لميس حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأهلاً بك أختنا الكريمة في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.

أختنا الكريمة: إذا أمعنا النظر في رسالتك نجد أنها تدور حول نقطتين:

1- ضعف الثقة في نفسك.
2- غياب حسن الظن.

ودعينا لا نستعجل الحكم -أختنا- على ما مضى حتى نحلل الأمر بهدوء، فقد قالوا: معرفة العلل نصف المعافاة، فإذا علمنا من أين يأتي الخلل استطعنا أن نتعامل معه.

أختنا المباركة: الشعور بالاحتقار منبعه الشخص نفسه أكثر من غيره، ودعينا الآن نضع يديك على أصل الاحتقار حتى تفهمي مرادنا.

هناك فرق بين الخطأ وضعف القدرات وبين الانتقاد، فالخطأ وارد من الجميع، وضعف القدرات في جانب لا يدل على ضعفه في آخر، فإذا حدث انتقاد ما لخطأ ما أو لضعف قدرة على إجادة عمل ما، فإن التفسير الطبيعي لهذا الانتقاد: النظر إليه بموضوعية، والتعامل معه بذكاء، وغربلته بحكمة؛ حتى أستفيد من الشق الإيجابي وأهمل الشق السلبي، هذه هي الشخصية الحكيمة حين تتعامل مع الخطأ.

لكن تفسير الانتقاد هذا على أنه انتقاص خطأ من المتلقي، سببه أمران:

1- الشعور بالعجز عن الإصلاح أو الكسل عن التصويب، ومن ثم الاستسلام لهذا الشعور المريح الذي يجعل الإنسان مضطهداً من الجميع حتى من أهله.
2- وجود الشيطان المتربص والمستغل لتلك المنحنيات النفسية؛ لاستثمارها في إخراج نفسية غير منسجمة مع المحيط الذي تعيشين فيه.

وهذان الأمران يمكن علاجهما بسهولة على ما سنوضح -إن شاء الله-.

أختنا الفاضلة: لا يعني ما مر من كلامنا خلو المجتمع من شخصيات تتعمد احتقار الناس، والتقليل من شأنهم والتركيز على سلبياتهم، ومحاولة إثبات أنفسهم بانتقاص غيرهم، وهؤلاء إما مرضى، أو عندهم شعور بالدونية، أو طبيعتهم النفسية أو الاجتماعية قائمة على ذلك، أو أنهم أناس صالحون طيبون يريدون الخير لك، ويعتقدون أن هذا هو الطريق الأصلح للارتقاء بك.

وهذا الصنف كذلك مع ما فيه من خطأ مقصود أو غير مقصود، إلا أن الشعور بالاحتقار كان منبعه الفرد، إذ لو كانت عنده ثقة في نفسه، وتعامل مع ما يقال بحكمة وغربلة -كما أوضحنا في الصورة السابقة-؛ لما وصل هذا الشعور.

أختنا الكريمة: إن شعور بعض الأبناء بتمييز بعض الإخوة هو شعور عام، ما من طفل أو شاب إلا وتأتيه تلك الفترات التي يعتقد فيها أن والده أو والدته تهتم بأحد إخوانه أكثر منه، بل وربما تحيطه بالعناية والرعاية والاهتمام أكثر منه، وهذا قد يكون موجوداً، وقد يكون مسبباً أو له وجهة صحيحة، ولكن ليس معنى اهتمام الوالد بأحد الأبناء انتقاصاً للآخر، بل ربما الآخر إليه أحب، ولكن هذا يحتاج إلى هذا، وذاك قد شب عليه، فحاجة الصغير ليست كالكبير، وحاجة المريض ليست كالصحيح، وحاجة المسافر ليست كالمقيم، والوالدان بفطرتهما وحدسهما يعملان على الموازنة بين الجميع.

وقد يخطئ الوالدان في التقييم أو التوجيه، هذا أمر وارد، ولكن هذا لا يعني أبدًا تعمد احتقار أحد الأبناء أو إهانته، فالابن يا أختنا زرع الوالدين، وثمرة غرسهما، ووالداك قد تعبا في تربيتك وتعليمك الشيء الكثير، ولن تجدي يا أختنا في الدنيا كلها من يحبك كحبهم، ومن يرعاك كرعايتهم، ومن يهتم بك كاهتمامهم بك، ومن يعطيك بلا ثمن ولا انتظار مردود منك كما هم.

وأما انتقادهم لك أو تخطئتهم لك، فالأصل فيه المحبة والنصيحة وإرادة الخير لك، لكن لما كان هاجس التحقير عندك قائمًا استغله الشيطان ليجعل بينك وبين أحب الناس إليك حاجزاً، وقد نجح في ذلك نجاحاً جزئياً، وآن الآوان أن تواجهي هذا الشيطان وأن تتغلبي عليه.

أختنا الكريمة: مسألة ضرب الأخ أخته نحن لا نوافق عليها، والذي نحب أن نخبرك به أن الوالد أو الوالدة ينظر إلى الغد نظرة لا يدركها الأبناء اليوم، لكن توريث الشعور عند الأبناء الذكور بأنهم مسؤولون عن الإناث مهمتهم الأصيلة، فيدفعونهم إلى ذلك حتى يولدوا عندهم الحب والحرص على أخواتهم، وهذا له شق إيجابي هائل، لكن قد يتمادى الأخ، فيقع في بعض الأخطاء، أو تفسر الفتاة أمراً ما على غير وجهه، أو مضخمًا أكبر من حجمه، وهذه كلها أمور اعتيادية موجودة في كل بيت، ولا يجب أن تفسريها على أنه تحيز من الوالدة تجاه الأخ.

أختنا الكريمة: إننا ندعوك للتخلص من هذه المشاكل كلها بما يلي:
1- استبعاد مسألة الاحتقار والدونية من قاموس حياتك خاصة مع والديك.
2- التعرف على الأخطاء من الوالدة وكتابتها والاجتهاد في إزالتها أو التقليل منها.
3- الحوار المثمر مع القائم على المحبة -ولو في صورها الأدنى- فإن هذا سينمو مع الزمن.
4- الاجتهاد في فهم الانتقاد وإحسان الظن به، والعمل على غربلة القول والاستفادة من الانتقاد.
5- تقوية عامل الثقة بالنفس، وإننا ندعوك للقراءة حول هذا الموضوع، ونقترح عليك كتاب: الثقة والاعتزاز بالنفس للدكتور إبراهيم الفقي، وكتاب عشرون موقفًا إيجابياً من الأحاديث الشريفة للدكتور إبراهيم الودعان، وكتاب 611 طريقة لتقدير الذات للكاتب برايان روبنسون، وغير ذلك كثير من الكتب، فإنها ستعطيك مفاتيح هامة لكسب الثقة بالنفس.

وختاماً: نرجو منك أن تجلسي مع الوالدة جلسة صريحة فيها الود والإنصات، وأن تبدئي معها طريقة العودة الطبيعية، وستساعدك، فهي أحرص الناس عليك، وأنت وإخوانك وأخواتك أحب الخلق عندها، المهم أن تسمعي منها بقصد التغيير الإيجابي، كما نوصيك بالبحث عن الأمان الداخلي النفسي، وهذا لن يكون إلا في المحافظة على الصلاة والنوافل، والأذكار، وقراءة القرآن، فإن فعلت ذلك فقد ربحت ذاتك وربحت أهلك وربحت عالمك، وربحت قبل ذلك كله تدينك.

نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وإنا سعداء بتواصلك معنا في أي وقت، والله المستعان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً