الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حماتي تتجاهلني ولا تعاملني بحب، فكيف أتصرف تجاهها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حماتي تعاملني معاملة سيئة، رغم أنني أسكن بعيدًا عنها، ولا تسأل عني، علمًا أنني حامل وكذلك ابنتها، وحينما أذهب لزيارتها يكون اهتمامها موجهًا إلى ابنتها وزوجة ابنها الثاني فقط، وجودي غير مهم بالنسبة لها، علمًا أنني أعاملها جيدًا، وأحترمها، وأسأل عنها دائمًا، لا أعلم سبب كرهها لي، وأحيانًا تغضب مني دون سبب، وتقوم بإرسال المنشورات عبر تطبيق الفيسبوك وتقصدني بها، أريد حلًا، ما هي الطريقة المناسبة للتعامل معها مع حفظ كرامتي؟

شكرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله أن يبارك فيك وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبخصوص ما تفضلت به فإننا نثمن سؤالك هذا جيدًا، ونرى أن هذا دليل خير فيك، ودليل حرص على استمرار الحياة الطبيعية، ونسأل الله أن تكوني ذلك وزيادة.

أختنا الكريمة: نريد أن نسألك سؤالين، وفيها الجواب على سؤالك بأمر الله.

أولًا: ما تفعليه من الإحسان إليها هل لله أم لغير الله؟ إن كان لله فالحمد لله، وأخذت الأجر كاملًا، فإن العبد إذا أحسن إلى من لم يقابله بالإحسان، أو إلى من أساء إليه، فقد أخذ الأجر من الله كاملا، وعليه فإن كان لأجل الله فقد ربحت ما يلي:
1- رضوان الله تعالى.
2-الأجر الكامل.
3-الراحة النفسية لأنك تفعلين الخير بلا مقابل من البشر.
4-مدوامة الإحسان حتى مع من أساء التماسًا للأجر.
5-صفاء من أحسنت إليه ولو بعد حين، قال الله: " وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)".

ولعلك لاحظت أن هذا هو الفضل العظيم والأجر الكبير، وليس كل الناس عندهم القدرة على ذلك، فإن أتاك الشيطان مضخمًا لك حدثًا، أو مموهًا عليك في أمر، أو محرضًا عليها، فالآية التي بعد الآيتين مباشرة تجيبك: "وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)"، هذه الآيات الثلاث كفيلة -أختنا- أن تريح أعصابك، وأن تحل كل مشاكلك.

ثانيًا: منشورات والدة زوجك قد ذكرت أنها تقصدك أنت، لن نسأل عن القرائن التي قادتك إلى ذلك، لكن نسألك عن غياب التماس العذر، والاجتهاد في حسن الظن، أين ذهبا؟

حسن الظن هنا -أختنا- علامة فارقة في نفسيتك، وعلامة صحية في حياتك، وفوق ذلك مرضاة لله، ولو علمت فوائد حسن الظن لاجتهدت في ذلك.

أختنا المباركة: إن لم يكن في هذه الصفة إلا راحة القلب، وسلامة البال لكفى، كيف لا، وبها يسلم الإنسان من الخواطر الرَّديئة التي تقلقه، وتؤذي نفسه، وتجلب عليه كدر البال، وتعب النفس والجسد، وقد جمع أحد الفضلاء فوائد حسن الظن فقال:

1- حُسْن الظَّن علامة على كمال الإيمان في قلب المتحلِّي به، فلا يظنُّ بالمؤمنين خيرًا إلا من كان منهم، كما قال تبارك وتعالى في سورة النُّور: "لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ"، [النور: 12].

2- فيه إغلاق باب الفتنة والشَّر على الشَّيطان الرَّجيم؛ فإنَّ من أبوابه سوء الظَّن بالمسلمين، قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ"، [الحجرات: 12]، فمن يَحْكُم بشرٍّ على غيره بالظَّن، بعثه الشَّيطان على أن يطول فيه اللِّسان بالغيبة فيهلك، أو يقصر في القيام بحقوقه، أو يتوانى في إكرامه، وينظر إليه بعين الاحتقار، ويرى نفسه خيرًا منه. وكل ذلك من المهلكات.

3- طريق من طرق زيادة الألفة والمحبَّة بين أفراد المجتمع المسلم، وحماية له من التَّفكُّك والتَّشرذم.

4- حصن منيع يحمي المجتمع من إشاعة الفاحشة، وانتشار الرَّذيلة، وبه يسلم المجتمع من انتِّهاك حقوق النَّاس وأعراضهم وخصوصياتهم.

5- دليل على سلامة القلب وطهارة النَّفس، وزكاء الرُّوح.

هذه خريطة الطريق -أختنا-، افعلى الخير على قدر ما تستطيعين، وابذلي المعروف لله لا للغير، وأحسني الظن فوق طاقتك، وستجدين الخير -إن شاء الله-.

وفي الختام: إحسان والدة الزوج إلى بناتها لا يعني الإساءة إليك، بل هي فطرة فطر الله الإنسان عليها، والشيطان المتربص بك لابد أن يفسر الأمر على غير ما هو عليه، أو يضخم الحدث فوق ما ينبغي، فاستعيذي بالله من ذلك، واعلمي أن حسن الظن كفيل بإزالة مع علق في قلبك بإذن الله.

وفقك الله أختنا ورعاك وأحسن إليك، والله المستعان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً