الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مشاكل متعلقة بتربية يتيم

السؤال

نشكركم ونقدر جهودكم على ما تقدموه لنا من نصائح وتوجيهات نسأل الله أن تكون في ميزان حسناتكم.
أرجو بعد إذنكم طلب استشارتكم في تربية يتيم حتى أتحمل مسؤوليتي كاملة حالياً ومستقبلاً.

كانت أم زوجتي رحمها الله تحتفظ بولد لا أعرف عنه فقط إلا أنه ابن ابنتها المطلقة، بعد وفاة أم زوجتي وفي أثناء الشروع في توزيع التركة تم الاتفاق الجماعي على أن يباع المسكن لي فاشتريته.

وصلنا إلى نقطة الولد فما كان من زوجتي إلا أن صارحتني بأمره على النحو التالي: بأن الولد المنسوب إلى زوج أخت زوجتي في الوثائق ليس ولداً من صلبهم بل بإرادتهما تم إحضاره من المستشفى، وعاش معهما سنتين، وبعد الطلاق جاءت به أختها إلى منزل أمها لتتكفل به أم زوجتي إلى أن توفيت حيث لا أعرف هل هو معروف النسب أم مجهول.

فكرت جيداً بمعية زوجتي بأن الولد لا ينبغي أن يأخذه أبوه، حتى وإن حمل اسمه العائلي، وكان هذا تقدير الزوجة؛ لأن الرجل مطلاق وكانت أختها هي الزوجة الثالثة، وهو كثير الأولاد، وليس من صلبه، ومصيره الضياع لا شك، وأن تحتفظ بوصية أمها بأن لا تسلمه إلى أبيه، وكذلك إلى أمه حيث أنها سيئة الأخلاق، وارتبطت برجل أشد سوءا.

جمعت تفكيري أمام هذا الوضع متأملا المآلات، ومن غير ضغط أحد علي، ولكن أردت أن أتصرف بمسئولية تجاه هذا الذي أتى أمامي قدرا، توكلت على الله وطمأنت زوجتي بأن نربيه يتيما نبتغي الأجر من الله، وحسمنا الأمر على أنه ولد من أولادنا.

لكن نريد أن نسأل: كيف نتصرف بطريقة سليمة حتى يكبر سويا بعيداً عن أي تعقيد؟مع العلم أني أحرص على تربيته وتعليمه، ومستواه مقبول، وأسئلتي على النحو التالي:

- أحياناً يخطئ كأن يسرق من البيت بعض النقود ولا يعترف، حيث كل الأدلة تشير إلى أنه هو الفاعل، علماً أني أعطيه بعض النقود تشجيعاً له.

- في التراويح الفائتة كنت أطلب منه الصلاة في مسجد الحي فكان يصلي العشاء وينصرف إلى أماكن اللعب، وإذا سألته عن التراويح يقول بأنه أداها.

- تحصل له أمور لا يخبر عنها، كأن تأخذه أمه لاقتناء بعض الهدايا حيث أرفض، ومرة من المرات حادث مروري لم يخبر عنه.

- يستفزه بعض أبناء الحي، وأشعر بأنهم يعيرونه بكلام ليس مقبولا، لكن لا يخبر لا زوجتي ولا يخبرني أنا، وأرى ضعف شخصيته في هذه الناحية.

- حينما يزوره أبوه أو أمه على فترات بعيدة تصل إلى شهرين وثلاثة، طبعاً يطلبونه من أمام المسكن فيتبادر لذهني إما أن يأخذوه أو أتكفل به، ولا أقبل هذه المسرحية.

- أفكر أيضاً عندما يكون مراهقا، وتأثير ذلك على ابنتي ذات الأربع سنوات في الجانب الأخلاقي.

- أفكر أحياناً أن أسلمه إلى أمه أو أبيه، ولا أتحمل المسئولية.

- كيف أصارحه وأجيبه على أسئلته الكثيرة حين يكبر.

- أفكر أيضاً في تلك العلاقة العاطفية مع أبنائي حيث يحبهم ويحبونه.

لأجل كل هذا قررت بمعية زوجتي التوجه لسيادتكم طالباً النصيحة والتوجيه راجيا منكم ألا تبخلوا علينا وما يناسب هذه الحالة من توجيهات.
تقبلوا تحياتنا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنسأل الله أن يسهل أمركم وأن يغفر ذنبكم وأن يلهمكم رشدكم، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء، والخير كل الخير في الاحتكام إلى شريعة الله الغراء، وشكراً لكم على مشاعركم التي تدل على نبل وصفاء، ومرحباً بكم في موقعكم بين الآباء والإخوة الأجلاء، ونتمنى أن يسدد خطاكم رب الأرض والسماء.

ونحن نرجو من كل من يحرص على رعاية أمثال هؤلاء أن لا ينسب الأطفال إليه وأن يحرص على أن تكون علاقتهم بأسرته شرعية خاصة عند بلوغهم، وأن يتعامل معهم بصدق ورحمة مع يقظة وحذر، فإن الإنسان يخاف من مجهول النسب؛ لأنه يأخذ صفاته من والديه الذين غالباً ما يكونا من زمرة السفهاء الأشقياء.

لذلك نحن نفضل رعاية أمثال هؤلاء في دور الرعاية، ولا بأس من التسابق إلى كفالتهم ومساعدتهم والإحسان إليهم، حتى لا يشعروا بالفرق بينهم وبين الآخرين، ونتمنى أن يتولى مهمة قيادة تلك المؤسسات الأخيار الذين يراقبون الواحد القهار، ويحرصون على طاعة الله واتباع رسولنا المختار.

أما بالنسبة لليتيم فالحرج في تربيته مرفوع، وقد حض النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك حتى قال: (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين، وأشار بالسبابة والتي تليها) وليس عند اليتيم مشكلة اجتماعية فوالده معروف ونحمد الله الذي أودع في نفوس المؤمنين شفقة على الأيتام.

وقد أحسنت بحرصك على حسن توجيه هذا الطفل ورغبتك في عدم تركه عند أفراد أسرتكم خوفاً عليه من الضياع لعدم اهتمامهم بالجانب الأخلاقي والإيماني، ولا شك أن وجوده معك وتحت رعايتك فيه مصلحة فلا تتركه لغيرك، واحرص على حسن توجيهه، وإذا بلغ مبلغ الرجال فلابد أن يكون معزولاً في أماكن الرجال، مع ضرورة أن تحتشم زوجتك وابنتك في حال حضوره وذلك بالتستر الكامل، ولا مانع من دخوله معك إلى المنزل، شريطة أن تلتزم نساؤك بالحجاب، ومن المهم أن يفهم أن هذا هو ما يأمرنا به ديننا الحنيف، مع استمرار شعوره بمحبتك له واهتمامك بأمره.

ونحن نتمنى أن تربيه تربية على الصراحة والوضوح، وتكلفه ببعض المهام حتى يكتسب الثقة، ولا تمنع الآخرين من الإحسان إليه، واحرص على أن تكون فترة وجوده معهم قليلة، مع ضرورة محور الآثار السالبة لوجوده معهم بعد عودته إليك، ولا تتبع معه أسلوب التحقيق حتى لا يعتاد الكذب.

وما ينبغي للمسلم أن يشعر بالحرج وهو يطبق أحكام الدين، فإن فيها الخير والفلاح، وما من شيء من أمر الدين نتركه إلا أحوجتنا أزمات الحياة إليه، وعند ذلك يشتد ندمنا على تقصيرنا وتفريطنا.

وفي الختام نوصيك وأهلك بتقوى الله والإحسان، فإن الله سبحانه (( مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ))[النحل:128] ونشكر لك هذا الحرص والاهتمام الذي دفعك للسؤال، ومرحباً بين آبائك والإخوان، وأرجو أن يتردد في آذان الجميع قول الشاعر:
كن ابن من شئت واكتسب أدباً *** يغنيك محموده عن النسب
وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً