السؤال
على من تجب الصلاة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الصلاة واجبة على كل مسلم بالغ عاقل ذكر أو أنثى.
فلا تجب على الكافر حال كفره وجوب مطالبة بأدائها، بدليل كونه لا يؤمر بقضائها إذا أسلم، ولعدم صحتها منه لو فعلها حال كفره.
ولا تجب على غير البالغ، وهو الصبي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاثة: عن الصغير حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المصاب حتى يكشف عنه. كما في المسند، وسنن أبي داود. والمراد بالمصاب: المجنون، كما في بعض الروايات.
ولكن على ولي الصبي أن يأمره بالصلاة، إذا بلغ سبع سنين، ويضربه على تركها، إذا بلغ عشر سنين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع. رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
وقد حمل جمهور العلماء هذا الأمر على الوجوب، فيجب على الولي أن يأمر الصبي بالصلاة؛ ليتمرن عليها، ويتعود على المحافظة عليها، ولا يعني ذلك وجوبها على الصبي. وحمل المالكية الأمر على الندب فقط.
ولا تجب الصلاة كذلك على غير العاقل، وهو المجنون؛ للحديث المتقدم.
وأما من زال عقله بغير الجنون، كالإغماء، أو استعمال الدواء المخدر، كالبنج، أو شرب المسكر، فقد اختلف أهل العلم في وجوب الصلاة عليه: فمنهم من يرى أنها واجبة عليه، بمعنى أنه يجب عليه قضاؤها إذا أفاق، ومنهم من فرّق بين ما كان للعبد فيه كسب، كاستعمال الدواء المخدر، وشرب المسكر، وبين ما لم يكن للعبد فيه كسب، كالإغماء، والفزع الشديد: فأوجب عليه الصلاة في الحالة الأولى، ولم يوجبها عليه في الحالة الثانية.
ومنهم من فرق بين ما كان بسبب محرم، كشرب المسكر، أو المخدر عمدًا لغير حاجة، وبين ما كان بسبب مباح، كشرب الدواء المخدر عند الحاجة، أو بأمر خارج عن كسب العبد، كالإغماء، ونحوه: فأوجب الصلاة عليه في الحالة الأولى؛ لتعديه. ولم يوجبها عليه فيما سوى ذلك.
والذي نرى ترجيحه هو الرأي الأول، وذلك لأمرين:
الأول: أن الحديث إنما نص على المجنون فقط، فبقي غيره على ما كان عليه من الوجوب.
الثاني: أن الجنون هو الذي تطول مدته عادة، فناسب حكمة الشرع أن لا يكون واجبًا عليه شيء؛ إذ لو وجب عليه؛ للزمه قضاؤه، فيكون في ذلك حرج، ومشقة كبيرة في ما إذا طال أمد الجنون، والله تعالى يقول: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]، وهذا بخلاف زوال العقل بالإغماء، ونحوه؛ فإنه يكون غالبًا في وقت محدود.
هذا بالإضافة إلى أن زوال العقل بالجنون المطبق زوال حقيقي، بينما زواله بغيره -من إغماء، ونحوه- زوال مؤقت، شبيه بالنوم؛ ولذلك كان كل من النائم والساهي مطالبًا وجوبًا بقضاء الصلاة، ففي صحيح مسلم، وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من نسي صلاة، أو نام عنها، فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها. وفي صحيح البخاري طرف منه.
وننبه السائل -الكريم- إلى أنه يشترط في وجوب أداء الصلاة بالنسبة للمرأة: طهارتها من الحيض والنفاس.
أما في حال الحيض والنفاس، فلا تجب عليها الصلاة، بل ولا تصح منها، وليس عليها قضاؤها، إذا طهرت؛ لما في الصحيحين أن امرأة سألت أم المؤمنين عائشة -رضي تعالى الله عنها- فقالت: ما بال الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة!؟ فقالت: أحرورية أنت!؟ قالت: لست بحرورية، ولكني أسأل. قالت: كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة. وهذا لفظ مسلم.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني