السؤال
توفيت والدتي رحمها الله منذ ثماني سنوات .. و بعد و فاتها بثلاث سنوات تزوج والدي بامرأة أخرى و بعد فترة قصيرة من الزواج قام بكتابة الشقة باسم زوجته الجديدة – و يقدر ثمن الشقة بحوالي مائتي ألف جنيه مصري – و لم نعلم نحن الأبناء من الزوجة الأولى بما حدث حتى أخبرنا والدنا به و أعلن لنا أنه أخطأ وأنه يريد الرجوع في عقد البيع لأنه يشعر أن ما فعله حرام و سيحرمنا من الشقة على المدى البعيد .. و بالفعل تم عقد جلسة مع أبي وزوجته وبعض الأقارب ممن لهم تأثير على أبي حيث قال أبي لزوجته في هذه الجلسة أنه كان قد باع الشقة إلى أحد أقاربنا - و الذي كان حاضرا في المجلس - بتاريخ سابق على العقد الذي معها .. وبالطبع لم يكن هذا صحيحا بل كانت حيلة من أبي حتى يعود عن بيع الشقة لزوجته وللعلم في الفترة التي كتب أبي فيها الشقة لزوجته حتي تراجعه فإن زوجته لم تقبض الشقة بل ظلا فيها سويا ولم يخلها أبي لزوجته .. بمعنى أنها لم تحز الشقة .. المهم في أثناء الجلسة التي أخبر فيها أبي زوجته بأنه كان قد باع الشقة من قبل لأحد أقاربه و أن العقد الذي معها يعتبر لاغيا قانونيا أصرت زوجة أبي وحتى لا يتم تصعيد الأمر إلى المحاكم أن يقوم مالك الشقة و أبي كل على حدة بكتابة عقد إيجار لها لمدة عشرين عاما مدفوعة في مقابل تنازلها عن عقد بيع الشقة .. و قام أبي والمالك الصوري كل على حدة بكتابة عقد إيجار لها لمدة عشرين عاما مدفوعة الإيجار .. الآن توفي أبي رحمه الله و سؤالي هو: هل أخطأ أبي بكتابة الشقة لزوجته؟ وهل أخطأ بعودته في هذه الهبة؟ أيضا تصر زوجته أنها معها عقد إيجار موثق وترغب في الاستئثار بالشقة وحدها فهل يجوز لها ذلك شرعا؟ و هل يجب علينا نحن باقي الورثة الأبناء من الزوجة الأولى أن ننفذ عقد الإيجار أم يجوز لنا المطالبة بالشقة؟ هذا مع العلم بأن أبي رحمه الله لم ينجب من هذه السيدة.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن ما صدر من أبيكم تجاه زوجته إما أن يكون على سبيل الهبة, وإما أن يكون على سبيل البيع, فإن كان على سبيل الهبة فإن من شروطها -يعني لزومها- قبض الموهوب له, فإذا لم يتم القبض فإن للواهب الرجوع في الهبة كما هو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة ورواية في المذهب المالكي لأن الهبة لم تنعقد بعد.
جاء في الإنصاف: وله أن يرجع في نفس الهبة قبل القبض على الصحيح من المذهب فيهما.
وفي الموسوعة الفقهية : وَيَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ قَبْل الْقَبْضِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، فَإِذَا تَمَّ الْقَبْضُ فَلاَ رُجُوعَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلاَّ فِيمَا وَهَبَ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَجُوزُ الرُّجُوعُ إِنْ كَانَتْ لأَِجْنَبِيٍّ، أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلاَ رُجُوعَ عِنْدَهُمْ فِي الْهِبَةِ قَبْل الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ فِي الْجُمْلَةِ، إِلاَّ فِيمَا يَهَبُهُ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ.
يتلخص من هذا أن الزوج له حق الرجوع في الشقة المذكورة لأن سكنى الزوجة فيها معه لا يعد حيازة، وتراجع الفتوى رقم: 116708 .
وإذا كان على سبيل البيع فإن البيع ينعقد لازما لكلا الطرفين فلا يصح لأحدهما الانفراد بفسخه.
وبناء على هذا لا يجوز لأبيكم التوصل بالحيل لإبطال حق زوجته, وكان الواجب عليه أن يتوب إلى الله من ذلك, وأن يسلم إليها الشقة, وبعد موته يقوم الورثة بما كان عليه القيام به.
وما توصل إليه أبوكم من صلح مع زوجته لا يحل له تملك الشقة إذا كان عالما ببطلان دعواه, ويحل لها هي.
جاء في المغني: إذا ثبت هذا فلا يصح هذا الصلح إلا أن يكون المدعي معتقدا أن ما ادعاه حق والمدعي عليه يعتقد أنه لا حق عليه فيدفع إلى المدعي شيئا افتداء ليمينه وقطعا للخصومة وصيانة لنفسه عن التبذل وحضور مجلس الحاكم فإن ذوي النفوس الشريفة والمروءة يصعب عليهم ذلك ويرون دفع ضررها عنهم من أعظم مصالحهم والشرع لا يمنعهم من وقاية أنفسهم وصيانتها ودفع الشر عنهم ببذل أموالهم والمدعي يأخذ ذلك عوضا عن حقه الثابت له فلا يمنعه الشرع من ذلك أيضا سواء كان المأخوذ من جنس حقه أو من غير جنسه بقدر حقه أو دونه فإن أخذ من جنس حقه بقدره فهو مستوف له وإن أخذ دون فقد استوفى بعضه وترك بعضه وإن أخذ من غير جنس حقه فقد أخذ عوضه ولا يجوز أن يأخذ من جنس حقه أكثر مما ادعاه لأن الزائد لا مقابل له فيكون ظالما بأخذه، وإن أخذ من غير جنسه جاز ويكون بيعا في حق المدعي لاعتقاده أخذه عوضا.
وللأهمية تراجع الفتاوى: 67015، 114780، 107876، 80162.
والله أعلم.