الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلم تبين لنا طبيعة هذه الأشياء التي لم تصدقك فيها هذه الفتاة, فإن كان هذا متعلقا بزلة أو معصية وقعت منها قبل الخطبة, فإنه لا يجوز لك أن تسألها عنها, ولا يجوز لها أن تخبرك, بل يجب عليها كتمان ذلك امتثالا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله، و ليتب إلى الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله. صححه الألبانى .
أما إن كان الأمر بخلاف ذلك فإن كان الكذب إنما يكون منها على سبيل الهفوة والزلة وليس خلقا لها بل يصدر الفينة بعد الفينة, فالأمر في هذا هين إذ لا يكاد أحد من الناس يسلم من مثل هذا إلا من رحم الله وعصم فلا حرج عليك إن تزوجتها ثم عليك بنصحها وتقويمها في ذلك بعد الزواج.
أما إن كانت مدمنة للكذب مداومة عليه, فلا شك أنها آثمة خاطئة, لأن الكذب من الذنوب التي تجر صاحبها - والعياذ بالله- إلى الفجور ومن ثم إلى النار، كما في الحديث المتفق عليه: إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً .
وهو من خصال أهل النفاق كما جاء في صحيح مسلم: آية المنافق ثلاث وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان .
والكذب يؤدي إلى اللعن والطرد من رحمة الله قال تعالى: قتل الخراصون {الذاريات: 10} أي لعن الكذابون، والكاذب أبعد ما يكون من هداية الله سبحانه كما قال تعالى: إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب {غافر : 28}.
ومعلوم أن الشرع رغب في الزواج من ذات الدين فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها و لجمالها و لدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك. متفق عليه.
جاء في فتح الباري: قوله فاظفر بذات الدين في حديث جابر فعليك بذات الدين والمعنى أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدين مطمح نظره في كل شيء لا سيما فيما تطول صحبته فأمره النبي صلى الله عليه و سلم بتحصيل صاحبة الدين الذي هو غاية البغية. انتهى.
ومعلوم أن الكذب قادح عظيم في دين الشخص ومروءته وخلقه وعدالته, وأنت قد أمرت بزواج صاحبة الدين, لا بزواج من أهلها أصحاب دين, فلا تجعل علاقتك الحميمة بأهلها سببا في اتباع عواطفك والتغاضي عما يأمرك به الشرع, ومخالفة ما يقتضيه العقل والحزم, فإن علاقتك الدائمة إنما هي مع زوجتك لا مع أهلها, والذي سيقوم على رعاية شؤون بيتك وتربية أولادك هي زوجتك وليس أهلها, ولا شك أن زوجة بهذا الخلق ينتظر منها الكثير من الشرور, فالكذب والعياذ بالله مفتاح المنكرات وباب المعاصي والسيئات, ولذا فإنا ننصحك بمصارحتها بقلقك الشديد من هذه الصفة, وأن تطلب منها التوبة إلى الله جل وعلا, وأن تؤخر عقد النكاح بعض الوقت فإن تبين لك توبتها والتزامها الصدق فتوكل على الله وأتمم عقد النكاح بعد الاستخارة, أما إن تبين لك إقامتها على ما هي عليه من الكذب فننصحك بتركها والانصراف عنها.
ونذكرك بأن المخطوبة لا تزال أجنبية عن خطيبها فلا يجوز له أن تختلي بها ولا أن يكثر من حديثها ولقائها بل للتعامل معها حدود سبق بيانها في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 50421, 20464, 30292.
والله أعلم.