الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

حديث: إذا سقطت اللقمة من يد أحدكم ... ولا يدعها للشيطان) السؤال إذا تركتها للشيطان وأكلها هل تختفي من على الأرض؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

ففي صحيح مسلم وسنن ابن ماجه ومسند أحمد - واللفظ له - عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سقطت اللقمة من يد أحدكم فليمط ما كان عليها من الأذى، ولا يدعها للشيطان، ولا يمسح يده بالمنديل، وليلعق أصابعه فإنه لا يدري في أي طعامه البركة. ورواه أيضا مسلم وأبو داود والترمذي وأحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعا.

وقد اختلف العلماء في معنى قوله عليه الصلاة والسلام: "يدعها الشيطان" فذهب بعضهم إلى أن المعنى طاعة الشيطان في إضاعة نعمة الله، ولا يلزم من ذلك أن يتناولها الشيطان.

قال في تحفة الأحوذي نقلا عن التُّورْبَشْتِيُّ : إنما صار تركها للشيطان؛ لأن فيه إضاعة نعمة الله والاستحقار بها من غير ما بأس، ثم إنه من أخلاق المتكبرين، والمانع عن تناول تلك اللقمة في الغالب هو الكبر، وذلك من عمل الشيطان.

وقال المناوي في فيض القدير: جعل تركها إبقاءها للشيطان لأنه تضييع للنعمة وازدراء بها وتخلق بأخلاق المترفين، والمانع من تناول تلك اللقمة غالبا إنما هو الكبر، وذلك من عمل الشيطان. كذا قرره بعض الأعيان فرارا من نسبة حقيقة الأكل إلى الشيطان، وحمله بعضهم على الحقيقة، وانتصر له ابن العربي فقال: من نفى عن الجن الأكل والشرب فقد وقع في حبالة إلحاد وعدم رشاد، بل الشيطان وجميع الجان يأكلون ويشربون وينكحون ويولد لهم ويموتون، وذلك جائز عقلا ورد به الشرع وتظاهرت به الأخبار فلا يخرج عن المضمار إلا حمار . ومن زعم أن أكلهم شم فما شم رائحة العلم.

وقال أيضا: والمانع من تناول تلك اللقمة الكبر غالبا، وذلك مما يحبه الشيطان ويرضاه للإنسان ويدعو إليه إلا أنه يأخذها ويأكلها ولا بد.

وقال النووي في سياق كلامه على هذا الحديث: ومنها إثبات الشياطين وأنهم يأكلون.

وفي شرحه على صحيح مسلم عند قول النبي عليه الصلاة والسلام: إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه. قال: الصواب الذي عليه جماهير العلماء من السلف والخلف من المحدثين والفقهاء والمتكلمين أن هذا الحديث وشبهه من الأحاديث الواردة في أكل الشيطان محمولة على ظواهرها وأن الشيطان يأكل حقيقة إذ العقل لا يحيله والشرع لم ينكره، بل أثبته فوجب قبوله واعتقاده. والله أعلم. اهـ

وقال ابن عبد البر في التمهيد عند كلامه على حديث: إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وليشرب بيمينه وليأخذ بيمينه وليعط بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ويعطي بشماله ويأخذ بشماله. رواه مسلم. قال: وفي هذا الحديث دليل على أن الشياطين يأكلون ويشربون.

وفي ابن حجر في فتح الباري: والأولى حمل الخبر على ظاهره وأن الشيطان يأكل حقيقة لأن العقل لا يحيل ذلك وقد ثبت الخبر به فلا يحتاج إلى تأويله.ا.هـ

وأما كيفية أكل الشيطان فهي من الأمور الغيبية التي نؤمن بها؛ تصديقا لخبر النبي عليه الصلاة والسلام، وإذا كنا لا نلاحظ أن مادة الطعام تنقص فإن بركته تنقص أو تزول بالكلية.

ولمزيد الفائدة عن أكل الجن ودوابهم راجع الفتوى رقم: 47212.

والله أعلم.


مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني