الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أجمع أهل العلم على انتفاع الميت بالصدقة عنه، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 56783، 78955، 53063، 3406.
والصدقة بسقي الماء أفضل، لما روى سعد بن عبادة أن أمه ماتت فقال: يا رسول الله، إن أمي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال: نعم. قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء. رواه أحمد والنسائي، وحسنه الألباني.
وإن كانت هذه الصدقة على كافر، فالراجح من أقوال أهل العلم أنها جائزة، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 12798. وإن كان الأفضل أن يتحرى المسلم بصدقته المحتاجين من المسلمين.
أما بخصوص تخصيص يوم الجمعة بهذه الصدقة، فهذا محل خلاف بين أهل العلم، فمنهم من يجعل ذلك من البدع، كما قال الشاطبي في الاعتصام: التخصيص من المكلف بدعة إذ هي تشريع بغير مستند، ومن ذلك تخصيص الأيام الفاضلة بأنواع من العبادات التي لم تشرع لها تخصيصا، كتخصيص اليوم الفلاني بكذا وكذا من الركعات، أو بصدقة كذا وكذا، أو الليلة الفلانية بقيام كذا وكذا ركعة، أو بختم القرآن فيها، أو ما أشبه ذلك، فإن ذلك التخصيص والعمل به إذا لم يكن بحكم الوفاق أو بقصد يقصد مثله أهل العقل والفراغ والنشاط كان تشريعا زائدا، ولا حجة له في أن يقول: إن هذا الزمان ثبت فضله على غيره فيحسن فيه إيقاع العبادات، لأنا نقول: هذا الحسن هل ثبت له أصل أم لا؟ فإن ثبت فمسألتنا كما ثبت الفضل في قيام ليالي رمضان وصيام ثلاثة أيام من كل شهر وصيام الاثنين والخميس، فإن لم يثبت فما مستندك فيه، والعقل لا يحسن ولا يقبح ولا شرع يستند إليه، فلم يبق إلا أنه ابتداع في التخصيص كإحداث الخطب وتحري ختم القرآن في بعض ليالي رمضان. ـ الاعتصام: 2 ـ 12.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة: لا مانع من الصدقة عن الميت بالنقود أو غيرها من غير تخصيص ذلك بوقت معين. اهـ.
وفيها أيضا: الصدقة عن الميت مشروعة للأحاديث الثابتة في ذلك، لكن لا يكون توزيعها عند القبور، لأنه لم يعهد ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا زمن الصحابة رضي الله عنهم، فكان بدعة منكرة، لما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد.
وكذا تخصيص يوم للصدقة. اهـ.
وقد سبق في الفتوى رقم: 53063، أن تخصيص يوم الجمعة إن حصل اتفاقا وليس عن قصد فلا بأس، أما لو قصده لأن الصدقة فيه أفضل وما شابهه، فلم يصح في هذا شيء، فتصدق في أي يوم وهي مقبولة ـ إن شاء الله تعالى.
ومن أهل العلم من يُجري على ذلك القاعدة العامة في مضاعفة الحسنات باعتبار شرف الزمان، فيحكم بفضيلة الصدقة في يوم الجمعة باعتبار فضل اليوم ذاته، وقد سبق ذكر من قال بذلك من أهل العلم في الفتوى رقم:73798 .
وهذا هو الأظهرـ والله أعلم ـ فقد نص أهل العلم على أن الحسنات تضاعف باعتبار فضيلة الزمان والمكان، قال ابن رجب في لطائف المعارف: اعلم أن مضاعفة الأجر للأعمال تكون بأسباب، منها شرف المكان المعمول فيه ذلك العمل كالحرم، ومنها شرف الزمان كشهر رمضان وعشر ذي الحجة. اهـ.
وقال البهوتي في كشاف القناع وفي الروض المربع: تضاعف الحسنة والسيئة بمكان وزمان فاضلين. اهـ. فقال الرحيباني في مطالب أولي النهى: مكان فاضل كمكة والمدينة وبيت المقدس وفي المساجد، وزمان فاضل كيوم الجمعة والأشهرالحرم ورمضان. اهـ.
وقال الشيخ ابن باز: الأدلة الشرعية على أن الحسنات تُضاعف في الزمان الفاضل، والمكان الفاضل، مثل رمضان وعشرذي الحجة، والمكان الفاضل، كالحرمين. اهـ.
ومما يؤيد تخصيص يوم الجمعة بالصدقة ما ذكره ابن حجر في نزهة السامعين في رواية الصحابة عن التابعين عن ابن عباس عن كعب الأحبار قال: الصدقة يوم الجمعة أفضل منها في سائر الأيام.اهـ.
وقال ابن عبد البر في الاستذكار وفي التمهيد: روى الأعمش عن مجاهد عن عبد الله بن ضمرة عن كعب الأحبار قال: الصدقة يوم الجمعة تضاعف، وقد روى حصين عن هلال بن يساف عن كعب الأحبار في يوم الجمعة قال: تضاعف فيه الحسنة والسيئة. اهـ.
وقد روي في ذلك حديث يعتبر نصا في المسألة لو صح ولكنه لا يصح، فروى الدارقطني وعنه ابن الجوزي في العلل المتناهية من طريق أبي قتادة الحراني أخبرنا أيوب بن نهيك قال سمعت محمد بن علي بن عبد الله بن عباس يحدث عن أبيه عن جده عبد الله بن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب أن يصوم يوم الأربعاء ويوم الخميس ويوم الجمعة، ويتصدق مما قل أو كثر من يوم الجمعة.
وبوب عليه ابن الجوزي الصدقة يوم الجمعة وقال: تفرد به أيوب بن نهيك، ويتفرد به أبو قتادة عنه، قال أبو زرعة: أيوب بن نهيك منكر الحديث. قال أحمد ويحيى: أبو قتادة: ليس بشيء، وقال أبو حاتم الرازي: ذهب حديثه. اهـ.
والله أعلم.