الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

جزاك الله خيرا يا شيخ.
نعلم أن الاختلاط في كل مكان حتى بالطريقة الإلكترونية والبيع والشراء كذلك من المواقع الإلكترونية
هل يعتبر مكان اختلاط الرجال بالنساء والبيع والشراء هو السوق؟ للحاجة لدعاء السوق، أو أن هناك دعاء آخر لمنع روح الشر بالإنسان؟.
جزاكم الله عنا خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمقصود السائل من سؤاله فيه بعض الغموض، وسنجيب على ما فهمنا أنه يسبب إشكالا عند السائل، فنقول: إن اجتماع الرجال والنساء والتواصل بينهم من غير انضباط بالضوابط الشرعية محرم، لكونه دريعة للفساد وافتتان بعضهم ببعض، وقد عرفت الموسوعة الفقهية الكويتية الاخلاط المحرم، فجاء فيها: "يَخْتَلِفُ حُكْمُ اخْتِلاطِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ بِحَسَبِ مُوَافَقَتِهِ لِقَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ أَوْ عَدَمِ مُوَافَقَتِهِ، فَيَحْرُمُ الاِخْتِلَاطُ إِذَا كَانَ فِيهِ:

أ - الْخَلْوَةُ بِالأَجْنَبِيَّةِ، وَالنَّظَرُ بِشَهْوَةٍ إِلَيْهَا.

ب - تَبَذُّل الْمَرْأَةِ وَعَدَمُ احْتِشَامِهَا.

ج - عَبَثٌ وَلَهْوٌ وَمُلَامَسَةٌ لَلأَبْدَانِ كَالاِخْتِلَاطِ فِي الأَفْرَاحِ وَالْمَوَالِدِ وَالأَعْيَادِ. فَالاِخْتِلَاطُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ مِثْل هَذِهِ الأُمُورِ حَرَامٌ، لِمُخَالَفَتِهِ لِقَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ. قَال تَعَالَى: {قُل لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} . . . {وَقُل لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} . وَقَال تَعَالَى عَنِ النِّسَاءِ: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} وَقَال: {إِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}. وَيَقُول النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ وَقَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ يَا أَسْمَاءُ إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَاّ هَذَا وَهَذَا وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ" انتهى
وقد دل الكتاب والسنة على منع الاختلاط بين الجنسين بهذا المعنى وتحريمه وتحريم جميع الوسائل المؤدية إليه، وسبق بيان هذا في الفتوى رقم: 3539.

والاختلاط المحرم ليس مقصورا على السوق فقط، ولكن الأسواق من الأماكن التي يكثر فيها هذا الاختلاط وغيره من المحرمات التي جعلت الأسواق من الأماكن المكروهة عند الله، ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا.

قال النووي رحمه الله: قَوْله: وَأَبْغَض الْبِلَاد إِلَى اللَّه أَسْوَاقهَا، لِأَنَّهَا مَحَلّ الْغِشّ وَالْخِدَاع وَالرِّبَا وَالْأَيْمَان الْكَاذِبَة وَإِخْلَاف الْوَعْد وَالْإِعْرَاض عَنْ ذِكْر اللَّه وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ.

وقد شرع الدعاء في السوق، لأنه مكان غفلة ومظنة لوجود المنكرات والمعاصي، فعَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: لاَ تَكُونَنَّ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ وَلاَ آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا فَإِنَّهَا مَعْرَكَةُ الشَّيْطَانِ وَبِهَا يَنْصِبُ رَايَتَهُ. رواه مسلم.

قال النووي رحمه الله: قَوْله فِي السُّوق إِنَّهَا مَعْرَكَة الشَّيْطَان لِكَثْرَةِ مَا يَقَع فِيهَا مِنْ أَنْوَاع الْبَاطِل كَالْغِشِّ وَالْخِدَاع، وَالْأَيْمَان الْخَائِنَة، وَالْعُقُود الْفَاسِدَة، وَالنَّجْش، وَالْبَيْع عَلَى بَيْع أخِيهِ، وَالشِّرَاء عَلَى شِرَائِهِ، وَالسَّوْم عَلَى سَوْمه، وَبَخْس الْمِكْيَال وَالْمِيزَان، قَوْله: وَبِهَا تُنْصَبُ رَايَته إِشَارَة إِلَى ثُبُوته هُنَاكَ، وَاجْتِمَاع أعْوَانه إِلَيْهِ لِلتَّحْرِيشِ بَيْن النَّاس، وَحَمْلِهِمْ عَلَى هَذِهِ الْمَفَاسِد الْمَذْكُورَة، وَنَحْوهَا، فَهِيَ مَوْضِعُهُ وَمَوْضِعُ أَعْوَانه. انتهى.

وقد سبق ذكر حديث دعاء دخول السوق مع بيان درجته، والمقصود بالسوق في الحديث، وذلك في الفتوى رقم: 25814.

ولا نعلم ورود دعاء معين لمنع روح الشر بالإنسان كما يقول السائل، ولكن الأدعية والأذكار التي تنمي مراقبة الله وتحث على الخيرات وتبعد الغفلة التي تسبب الوقوع في كثير من الشر وتقي من وسواس الشيطان وتحفظ العبد من الأضرار كثيرة، كأذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم والاستيقاظ، وعند الجماع، ودعاء كفارة المجلس وغير ذلك مما ورد في السنة الصحيحة، والله الموفق.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني