الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله جل في علاه أن يشرح صدرك ويلهمك رشدك ويحسن ختامك، واعلم أيها الأخ الكريم أن الشيطان حريص على فتنة المؤمن وإغوائه عن الصراط المستقيم، ولذلك فإنه لا يفتأ يلقي على قلبه من الشُّبه والشكوك ما يوقعه في القلق والحيرة وعدم الاطمئنان إلى ما هو عليه من الإيمان، قال تعالى حاكياً قول إبليس: قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ. {الأعراف: 16-17}. وقال أيضاً: قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ *إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ. {ص: 79-82}.
ولذلك شرع الله لنا الاستعاذة من وساوس الشيطان الرجيم، وحثت الشريعة الإسلامية على النهل من علوم الكتاب والسنة حتى يصل العبد إلى درجة اليقين، ونصوص الوحيين طافحة بالتحذير من موالاة الكافرين وصحبتهم ومجالستهم والافتتان بما عندهم، وبيان أنهم ليسوا على شيء وأن عاقبتهم الجحيم وبئس المصير.
ولقد كان الواجب عليك إذ شعرت بالحيرة تدب إلى قلبك أن تفزع لرب الأرض والسموات شاكيًا إليه حالك وما يعتري قلبك من وساوس وشكوك، وتسأله الهداية وبرد اليقين، والله تعالى لا يخِيب من سأله والتجأ إليه مفتقرًا ضارعًا: أَمَّنْ يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ.؟!
وكان عليك أن تأخذ بالأسباب التي تدفع عنك هذه الشكوك كأن تُقبل على كتاب ربك ومولاك قارئًا ومتدبرًا؛ طلبًا للهداية ورغبةً في شفاء ما تجد في صدرك من أعراض الغواية، فالقرآن شفاء وأي شفاء: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ.
وأن تتصل بالعلماء؛ فإنهم ورثة الأنبياء، ولديهم إجابات عما وقع في قلبك من شبهات وضلالات.
ولكنك أعرضت عن ذلك كله ورُحت تتصفح المواقع الإلكترونية الخاصة بالنصارى الضالين ظانًا أنهم على شيء، وفاتك أنهم في شكوك ووساوس أعظم مما أنت فيه، فهم مختلفون في ربهم، هل هو عيسى عليه السلام؟ أم أن الإله هو الله وعيسى عليه السلام ابنه. تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا. أم أن الله مع عيسى وجبريل عليه السلام ثالثُ ثلاثة؟
لو تعلم ما عند النصارى من الشبه والاختلاف في عيسى عليه السلام وأمه وفي صدق الأناجيل وعقيدة الصلب والفداء وغير ذلك من الأباطيل لعلمت أنك باللجوء إليهم كالمستجير من الرمضاء بالنار.
أخي الكريم إن الإسلام هو شِرعة الله السالمة من التغيير والتبديل، والمحفوظة بحفظ الله تعالى لها، قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ. {الحجر:9}. ولا ينجو يوم القيامة إلا من كان مسلمًا موحِّدًا، قال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ. {آل عمران:85}. وقال أيضًا: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ. {آل عمران:19}. وانظر الأدلة على أن دين الإسلام هو الحق دون غيره في الفتويين: 54711، 74500.
وانظر تهافت عقيدة التثليث ومظاهر بطلان النصرانية في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 61499، 30506، 10326.
وأما ما ذكرته من المعجزات العظيمة التي أجراها الله على يد عبده ورسوله عيسى عليه السلام فإنه لم ينفرد بها دون سائر الأنبياء، فإنه ما من نبي إلا أوتي من المعجزات التي تحمل قومه على تصديقه، وقد قص الله علينا خبر نوح عليه السلام مع قومه وكيف أغرق الدنيا بطوفان هائل بينما نجا هو والمؤمنون معه، وخبر إبراهيم والنار الملتهبة التي قذفه فيها قومه فكانت عليه بردًا وسلامًا، وخبر موسى والعصا التي انقلبت ثعبانًا! وانفلاق البحر الأحمر له إلى جبلين عظيمين بينهما واد مرّ عليه هو وقومه بينما انطبقا على فرعون وملئه، وغير ذلك من معجزات الأنبياء التي قصها علينا القرآن كناقة صالح، وحوت يونس، والملك سليمان وأخباره العجيبة مع النمل والهدهد وعفاريت الجان. فليس عيسى عليه السلام هو المنفرد دون الأنبياء بالمعجزات المؤيدة لدينه ودعوته، فمعجزاته دلائل على نبوته ورسالته، ونحن نؤمن بذلك ونصدقه ولم يدع الألوهية بل هو رسول من رسل الله تعالى مصدق لمن قبله من الأنبياء والرسل، وقد بشر برسول الله من بعده وهو محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم هو الذي قص علينا معجزاته وأعطانا أخبارها، وانظر الفتوى رقم: 14240.
وأما ما ذكرته من كثرة النصارى وأنهم أكثر الناس اليوم، فإن الكثرة لا تدل على الصواب ولا على الهداية واتباع الحق، واعتبر بقوم نوح فإن أكثرهم كفار معاندون وما آمن معه إلا قليل، فهل تقول إن قوم نوح الكافرين هم أصحاب الحق لأنهم الأكثر عددًا؟! وانظر الفتوى رقم: 38434.
وأما ما ظننته تناقضًا بسبب حرمة المجاهرة بالذنوب وأنها أعظم خطرًا من الإسرار بها، في حين أن المنتهك لحرمة الله في السر قد استهان بنظر الله تعالى إليه، واستشكالك كون اطلاع الناس أعظم من اطلاع الله، فبيان ذلك أنه لا تعارض أبدًا لأن المجاهر بالمعصية عندما فعلها كان مستهينًا بنظر الله تعالى إليه لكنه زاد في الاستهانة بتحديث الناس بما كان منه، وظاهر أن الثاني أعظم جرمًا من الأول، فلا إشكال. وعمومًا لا تناقض أبدا في أصول الشريعة وما يظهر لك من وجود بعض التعارض بين دلالة بعض النصوص، فقد أرشدنا الله تعالى إلى الحل الأمثل وهو: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ. فإذا لم تفهم شيئًا مما جاء به الشرع الشريف فاعرضه على العلماء يجيبوك بما يطمئن إليه قلبك.
وبالنسبة لما ذكرته بخصوص ظهور مريم العذراء للنصارى في كنائسهم، فإن هذا من تلاعب الشيطان بهم، وانظر الفتوى رقم: 18881.
وانظر المقصود الصحيح من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ذاك صريح الإيمان. في الفتوى رقم: 7950.
وانظر أدلة إثبات عذاب القبر على منكريه والرد على شبهاتهم في الفتويين: 2112، 18488.
هذا، ولتحذر من الاستماع إلى القساوسة والنظر في كتبهم المحرفة فضلاً عن النظر في مواقعهم الإلكترونية المشحونة بالأكاذيب والشبهات، وانظر في بيان ذلك الفتوى رقم: 14742.
وانظر وسائل لتقوية الإيمان والمحافظة عليه في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 10800، 1208، 16610، 12744، 21743، 6603، 31768، 15219، 3792، 12928، 21750.
وأما المواقع التي طلبتها والتي تعرض الإعجاز العلمي في القرآن فإنك تجد روابط لها في الفتوى رقم: 18220.
ولمزيد فائدة انظر بعض المواقع الإلكترونية المتخصصة في الرد على شبهات النصارى في الفتوى رقم: 47095.
والله أعلم