السؤال
أحبتي الكرام وجدت موضوعا لم أفهمه فأحببت من حضراتكم أن تدلوني على الصواب فيه، وهو في سيرة نبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام. فقد قرأت موضوعا أنه كانت امرأة تدعى ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب تطوف بالبيت عارية وتنشد الأشعار. فهل كان كل العرب يفعلون ذلك؟ وهل نهى الرسول عن ذلك؟ وما قصة تلك المرأة في زواج الرسول صلى الله عليه وسلم منها وقصتها أيضا في الخروج للحج. هذا الحديث حدثنا ابن نمير قال: حدثنا عثمان بن حكيم عن أبي بكر بن عبد الله بن الزبير عن جدته فما أدري أسماء بنت أبي بكر أو سعدى بنت عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب فقال ما يمنعك من الحج يا عمة؟ قالت يا رسول الله إني امرأة سقيمة وإني أخاف الحبس قال فأحرمي واشترطي أن محلك حيث حبست؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد وقع في سؤالك خلط كبير ونحن نوضحه لك بعون الله، فاعلم أولاً أن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب هي بنت عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تكن هي ولا أحد من نساء قريش يطفن بالبيت عراة وإنما عرف هذا في غير قريش على ما سنوضحه إن شاء الله تعالى، ولم تكن من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما ضباعة التي ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يتزوجها فهي ضباعة بنت عامر.
قال ابن كثير في البداية: وبه عن ابن عباس: أن ضباعة بنت عامر بن قرط كانت تحت عبد الله بن جدعان فطلقها، فتزوجها بعده هشام بن المغيرة فولدت له سلمة، وكانت امرأة ضخمة جميلة لها شعر غزير يجلل جسمها، فخطبها رسول الله من ابنها سلمة، فقال: حتى أستأمرها؟ فاستأذنها فقالت: يا بني أفي رسول الله صلى الله عليه وسلم تستأذن؟ فرجع ابنها فسكت ولم يرد جواباً، وكأنه رأى أنها قد طعنت في السن، وسكت النبي صلى الله عليه وسلم عنها. انتهى.
وبه تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوجها وإنما أراد ذلك ثم لم يفعل، هذا إن صحت هذه القصة، وإلا فإن في إسنادها كلاماً ليس باليسير، فقد رواها ابن سعد عن هشام بن الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد في الكلام على حديث في سنده هشام بن السائب: رواه الطبراني، من طريق هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه وكلاهما متروك. انتهى.
وكذا خبر طوافها بالبيت عارية، وإنشادها الشعر المشهور وقد ذكره بطوله ابن حجر في الإصابة وفيه هشام وأبوه وهما متروكان كما تقدم فلا نطيل بإيراد القصة إذ تبين أنها واهية.
وأما سؤالك عن طواف العرب بالبيت عراة فلا شك في أنه قد كان منهم من يفعل ذلك وهذا من جاهليتهم المقيتة التي أبطلها النبي صلى الله عليه وسلم ونهى عنها، وقد ذكر المفسرون أن قوله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ. {الأعراف:31}، نزل بهذا السبب، وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة، وتقول: من يعيرني تطوافا تجعله على فرجها. وتقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله *وما بدا منه فلا أحله.
فنزلت هذه الآية: خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ.
وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان.
وضباعة بنت الزبير رضي الله عنه بنت عم رسول الله صلى الله عليه وسلم المتقدم ذكرها هي التي جرت معها قصة الحج التي ذكرتها وهي ثابتة في الصحيحين، وخلاصتها أن ضباعة رضي الله عنها كانت مريضة وخشيت أن تعجز عن إتمام النسك فأرشدها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن تقول إذا أحرمت بالحج: ومحلي حيث حبستني. فإذا عجزت عن إتمام النسك حلت من إحرامها ولا شيء عليها، وهذا ما يسمى عند الفقهاء بالاشتراط في الحج، وهو مستحب عند الحنابلة استناداً إلى هذا الحديث.
والله أعلم.