الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم إجبار الأب على أن يخص بعض أبنائه بعطية دون باقيهم

السؤال

والله لست أدري من حيث أبدأ، فمشكلتي مبهمة وغير معروفة، فأنا لست أفهم ما يجري لي، منذ مدة تزيد عن 4 سنوات اكتشفنا أن أبي كان متزوجا بامرأتين أخريين غير أمي التي مضى على زواجه منها أكثر من 47 سنة ـ وبحكم أن أبي كان يعمل خارج مكان إقامتنا ـ فلم نكن ندري ما يجري، كان يأتي إلينا في العطلة كل شهرين، بالرغم من أنه من كل 4 أسابيع يأخذ عطلة لمدة 3 أسابيع، فقد كان متزوجا، واكتشفنا الأمر عندما خرج التقاعد، حيث كان يسافر كل شهر ولا يرجع إلى البيت إلا بعد شهر، فاحتارت أمي إلى أين يذهب؟ فما كان مني إلا الذهاب إلى صندوق الإعاشة والسؤال هناك فاكتشفنا أنه متزوج من امرأتين والمشكلة ليست هنا ـ بالرغم من أمي أحست بهذا وهي متأكدة أنه متزوج، ولكن لا تعرف الحقيقة فقد أخفيتها عنها ـ وإنما بدأت عندما أردنا ـ أنا وإخوتي ـ أن نكتب كل أملاكه الموجودة في مكان إقامتنا ـ بالرغم من أنها بسيطة ـ بأسمائنا خوفا من أن تحصل بعد وفاته مشاكل - مع العلم أن أهل بلدتنا يكنون لنا كل الاحترام ولا يعلمون أنه متزوج من نساء أخريات ـ وأول شيء فعلته أنني قمت ببناء في البيت وطرحت عليه مقابل ذلك أن يكتب لي محلا تجاريا قديما في وسط البلدة، خوفا من أن يبيعه، لأنه في كل مرة يقوم بالبيع، فقد باع أراضي في مكان مهم وكذا مزرعة، لكن أين ذهبت الدراهم؟ لا يعلم أحد، بالرغم من أننا لم نكن نعيش بمستوى مرموق مثل الناس الذين كانوا أبوهم يعمل مثل عمل أبي وعلى حسب تفكيري فقد أخذ كل من العائلتين ـ بالرغم من صغر أفرادهم 4 أولاد و نحن 8 يعني الضعف ـ حقوقهم كاملة، ولهذا فإنني أرى أنه يجب أن نأخذ حقنا، فعند موافقة أبي على منحي المحل كتب لي وكالة بالتصرف في المحل والمسكن وهذا بعد مجهود جبار، استطعت أن أكتب المحل ولم أستطع كتابة المسكن لأخواتي المتزوجات كحق لهن، لأن أبي كأنه كان يرفض داخليا أن يكتب المنزل وكل ما يمكله لسبب لا يعرفه إلا الله، والمشكلة أنه كان يقوم بأعمال شعوذة حتى لا نستطيع أن نعمل شيئا، فكم من مرة وصلت إلى غاية باب الموثق ورجعت أدراجي، وقد تمكنت من كتابة المحل بفضل شيخ راق، و المشكلة الأكبر أننا لا نعلم أي شيء عن زوجاته وأولاده الآخرين، وعندما نسأله عنهم لا يعطينا الإجابة الشافية، وكم من مرة طلبنا منه أن نراهم و نذهب إليهم فكان يرفض رفضا قاطعا، والسبب غير معروف، فأحيانا تحدث مشاكل بيني بين إخوتي وأخي الأصغر الشقيق لسبب غير معلوم، ونحن على هذه الحالة، فما استطعنا فهمه ولافهم تفكيره ولا أن نفعل الشيء الذي يضمن حقنا خوفا من حدوث ما لاتحمد حقباه في حالة وفاته، لأنه من الممكن جدا أن ترفع علينا زوجاته دعوى قضائية لاقتصاص حق أولادهن، ونصبح أضحوكة في بلدتنا، فأردنا أن نعالج كل شيء الآن في حياته، ولكنه يأبى ذلك ولا حوار معه، و لا يفهمنا أي شيء، غير الأمور الطبيعية التي كانت تحدث لنا، وأمي مسكينة مغلوب على أمرها فهي طيبة ولا تقدر على مراوغته وافتكاك حق أبنائها رغم أننا نحن الكبار، وعماتي ـ وبحكم أنهن يكرهننا ـ كن دوما مع أبي حتى في حالة خطأه، وبقي فمن أملاك أبي المنزل الذي نسكنه، ومزرعة فقط، فأردت أن تقسم على أخواتي الشقيقات وأخي الأصغر، لكن كيف؟ لا يعلم إلا الله فهو ـ من حيث كلامه ـ غير رافض للفكرة، لكن التطبيق شيء آخر، فهو يريد من خلال فهمي لمجريات الأمور أن يبيع المزرعة، بالرغم أن كل الأموال التي كان يحصل عليها بعد البيع لا يظهر عنها أي شيء، فهو غير مفهوم فمن ناحية يريد أن يبيع و من ناحية أخرى يريد أن يكون شكله جميل في البلدة، لأن في بلدتنا بيع العقار شيء غير مهضوم إلا لضرورة قصوى، مع أن معاشه محترم لتعيش كل العائلات بشكل بسيط، كيف يفكر؟ و ما الحل؟ العلم عند الله حتى أمي لم تستطع فهمه ولا فهم ما يجول بخاطره.
وكل رجائي أن أرى النور من خلال ملاحظاتكم وما يجب علينا فعله فنحن في حيرة، وقد أردت التوجه إليكم بعد أن ضاقت بنا كل السبل لعلاج الموضوع وخاصة المتعلق بجانب الشعوذة التي يمارسها أبي مع أخته في حقنا.
الرجاء مساعدتنا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فزواج الرجل من زوجة ثانية ـ بل وثالثة ورابعة ـ حق مشروع له بشرط القدرة على القيام بحقوق الزوجات والعدل بينهن وعدم الميل إلى واحدة على حساب الأخرى, ولا يشترط في ذلك علم الزوجة الأولى ولا إذنها ولا يشترط إذن أولاده السابقين ولا علمهم، وراجع الفتوى رقم: 124568.

وأما بخصوص الأولاد، فإن العدل بينهم في العطايا ونحوها واجب على الراجح من كلام أهل العلم، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 64930.

وعليه، فلا يجوز للأب أن يفضل بعض أولاده على بعض إلا إذا وجد مسوغ للتفضيل من فقر أو مرض ونحو ذلك، كما بيناه في الفتويين رقم: 14254, ورقم: 124893.

وما تقومون به من الضغط على أبيكم ليكتب لكم بعض أملاكه غير جائز، لأن هذا المال حق خالص له ولا يجوز لكم أن تأخذوه منه إلا بطيب نفس منه, والأب له على ولده حق البر والصلة، وإكراهه على ما لا يريده من العقوق, والعقوق من كبائر الذنوب, هذا بالإضافة إلى أنكم لا تجزمون بأن هذه الأموال التي يحصلها أبوكم من بيع ممتلكاته يفضَل بها أولاده الآخرين, بل إن الأمر منكم مجرد ظنون، والظن لا يغني من الحق شيئا, ثم إنه إذا استجاب لكم وخصكم بهذه الأملاك ـ والحال أنه لم يعط أولاده الآخرين مثلها ـ فإنكم تكونون قد أوقعتموه في الظلم والجور, وهذا لا يجوز إضافة إلى أنه لا يشرع لكم حينئذ أن تنتفعوا بهذه الأموال دون باقي إخوتكم فاتقوا الله سبحانه وتوكلوا عليه وحده في أمر الرزق واحذروا أن يجركم حب الدنيا إلى الظلم والعقوق، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشحّ، فإن الشحّ أهلك من كان قبلكم، وحملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم. رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني.

ولكن لا مانع أن تذكروا أباكم بأسلوب لين رفيق بأن الشرع الحنيف أمر بالعدل بين الأولاد والزوجات، بل هذا من حق أبيكم عليكم أن تنصحوا له.

وأما إخفاء أبيكم أمر زوجاته الأخريات وأولاده منهن فهذا غير جائز، لأنه إذا مات على هذه الحالة فسيؤدي هذا إلى ضياع حقوق الورثة, ثم إلى قطيعة الرحم بين الإخوة وهذا لا يجوز.

ولا يجوز لكم أن تسيئوا الظن بأبيكم وعمتكم فيما تذكرون من أمر السحر والشعوذة، فإن إساءة الظن بالبرآء ظلم عظيم, وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات: 12}.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي وغيره: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث. صححه الألباني.

وقال أيضا لما نظر إلى الكعبة: مرحباً بكِ من بيتٍ، ما أعظمَكِ، وأعظمَ حرمَتَكِ وللمؤمنُ أعظمُ حرمةً عند اللهِ منكِ، إن اللهَ حرّم منكِ واحدة، وحرّمَ مِنَ المؤمنِ ثلاثاً: دمَه، وماله، وأن يُظَنَّ به ظنُّ السُّوءِ. أخرجه البيهقي وغيره، وصححه الألباني.

وننصحكم ـ على كل حال ـ بالمحافظة على الرقية الشرعية خصوصا إذا تيقنتم من شيء من هذا الذي ذكرت وقد بينا كيفية الرقية الشرعية في الفتاوى التالية أرقمها: 22104, 4310, 2244, 80694.

وراجع حكم التحية بـ ـ صباح الخير ـ في الفتوى رقم: 74681.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني