السؤال
ما الحكم الشرعي فيما يلي، وهل ينصح به؟في البلاد التي أسكنها إذا أرادت شركة غير وطنية العمل داخل البلاد يفرض عليها المشاركة في الأصول بينها وبين الدولة، لكي يسمح لها بالعمل، أي تقوم الشركة الأجنبية بتأسيس شركة جديدة داخل البلاد تكون لها فيها نسبة (80% مثلًا) وللحكومة (20%)، وتقسم الأرباح وفقًا لذلك، وتقوم الشركات بالموافقة مكرهة، طمعًا في العمل داخل البلد.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا حرج على أولياء الأمور في اشتراط هذه المشاركة على الأجانب الذين يقيمون المشروعات التجارية على أراضي بلادهم، ما دام ذلك لأجل المصلحة الاقتصادية العامة جلبًا لمنفعة أو دفعًا لمضرة.
جاء في (الموسوعة الفقهية): من استرعاه الله أمرًا من أمور المسلمين لزمه القيام فيما جعل إليه النظر فيه، وأسند إليه القوامة عليه، دون توان أو تقصير أو إهمال.
فعن أبي مريم الأزدي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من ولاه الله شيئًا من أمر المسلمين، فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره. رواه أبو داود وصححه الألباني.
وقال القرافي: كل من ولي ولاية الخلافة فما دونها إلى الوصية، لا يحل له أن يتصرف فيها إلا بجلب مصلحة أو درء مفسدة ... فالولاية إنما تتناول جلب المصلحة الخالصة أو الراجحة ودرء المفسدة الخالصة أو الراجحة. اهـ. وراجع الفتويين: 45480، 100406.
وأما عن التكييف الفقهي لهذا النوع من الشركات، فإن على الحكومة أن تدفع 20 % من رأس مال المشروع التي تريد أن تشارك في أصوله بهذه النسبة، ولا بأس أن تفوض العمل للشركة الأجنبية دون أن تزيد نسبة أرباحها على نسبة رأس مالها (80 %)، وذلك على الراجح من أقوال أهل العلم.
جاء في (الموسوعة الفقهية): العمل في شركة العنان يصح أن يكون من واحد، على معنى أن يأذن أحد الشريكين للآخر في التصرف دون العكس ... ثم إن جعلت له لقاء عمله زيادة في الربح عما يستحقه بحصته في المال، فإنها تكون شركة عنان ومضاربة، وإن جعل الربح بقدر المالين دون زيادة لم تكن شركة بل تكون إبضاعاً. اهـ.
وأما إن كان المراد أن الحكومة لن تدفع شيئًا من رأس مال المشروع، وإنما تشترط نسبة معينة من الربح نظير مجرد سماحها للشركة الأجنبية بالعمل فقط، فهذا لا يصح، لكون قدر الربح مجهولًا، ولأنه أكل للمال بالباطل، وقد قال الله تعالى: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ. [البقرة: 188]. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه. رواه مسلم.
فينبغي أن ينظر من يأخذ شيئًا من مال امرئ مسلم، بأي شيء يستحل هذا المال؟ كما أشار إليه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: بم تستحل مال أخيك. رواه البخاري ومسلم.
وجاء في (الموسوعة الفقهية): لا يستحق الربح إلا بالمال أو العمل أو الضمان؛ فهو يستحق بالمال لأنه نماؤه فيكون لمالكه. ومن هنا استحقه رب المال في ربح المضاربة. وهو يستحق بالعمل حين يكون العمل سببه، كنصيب المضارب في ربح المضاربة اعتبارًا بالإجارة. ويستحق بالضمان كما في شركة الوجوه، لقوله صلوات الله وسلامه عليه: "الخراج بالضمان" أو "الغلة بالضمان". أي من ضمن شيئًا فله غلته ... فإذا لم يوجد أحد هذه الأسباب الثلاثة التي لا يستحق الربح إلا بواحد منها، لم يكن ثم سبيل إليه.
ولذا لا يستقيم أن يقول شخص لآخر: تصرف في مالك على أن يكون الربح لي، أو على أن يكون الربح بيننا، فإن هذا عبث من العبث عند جميع أهل الفقه، والربح كله لرب المال دون مزاحم. اهـ.
والله أعلم.