السؤال
كان لديّ جهاز لم أستعمله فترة طويلة، فقررت بيعه، فاشتراه مني أحد أصدقائي، وبعد بيعه بفترة، تذكرت أنه كان به بعض العيوب حينما كنت أستخدمه، فأحرجت حرجًا شديدًا، وترددت خجلًا بعد كل تلك الفترة أن أنبّه صديقي على تلك العيوب، وأعرض عليه خيار العيب، وصديقي سيكون قد اكتشف تلك العيوب، ولكنه من الناس الذين يمنعهم خجلهم من مراجعة أصدقائه في هذا الأمر، فلا أدري هل يتوجب عليّ شرعًا أن أنبه صديقي على تلك العيوب، وأخبره أن له خيار العيب؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعـد:
فكتمان ما تعلمه من العيوب، ولو بعد البيع، غش، وتدليس؛ لأن صاحبك قد لا يكتشف تلك العيوب.
فعليك أن تبين له ما تعلمه من عيب في الجهاز، فإن شاء، أخذ بالخيار، ورد البيع، أو طلب أرش العيب، أو رضي به على ما هو عليه.
وخيار العيب يثبت للمشتري من غير شرط، وبلا مدة، إذا لم يوجد من المشتري ما يدل على الرضى به، قال الشيخ خليل بن إسحاق -رحمه الله تعالى-: ووجب تبيين ما يكره... وقال الخرشي شارحًا: أي: وجب على كل بائع، مرابحة، أو غيرها، تبيين ما يكرهه المبتاع من أمر السلعة المشتراة، وتقل به رغبته في الشراء... انتهى.
ومن رغب في بركة البيع، فليصدق فيه، وليبين للمشتري حقيقة السلعة، وعيوبها، إن كان بها عيب، ولا يكتمه، أو يدلس عليه فيها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في المتبايعين: فإن صدقا وبينا، بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما، محقت بركة بيعهما. رواه البخاري، ومسلم.
فلا يمنعك الحياء أن تصدق صاحبك، وتتدارك ما نسيته عند البيع من بيان العيوب الكائنة في الجهاز، فذلك أدعى لبركة البيع، ودوام الألفة بينك وبين صاحبك، ولئلا يتهمك بأنك قصدت خداعه بكتم العيوب، فالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، روى البخاري في صحيحه عن علي بن الحسين -رضي الله عنهما- قال: إن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت تنقلب (أي: ترجع)، فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يقلبها، حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة، مر رجلان من الأنصار، فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: على رسلكما، إنها صفية بنت حيي، فقالا: سبحان الله، يا رسول الله، وكبر عليهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئًا.
قال النووي في شرح مسلم: فيه استحباب التحرز من التعرض لسوء ظن الناس في الإنسان، وطلب السلامة، والاعتذار بالأعذار الصحيحة، وأنه متى فعل ما قد ينكر ظاهره مما هو حق وقد يخفى، أن يبين حاله؛ ليدفع ظن السوء، وفيه الاستعداد للتحفظ من مكايد الشيطان، فإنه يجري من الإنسان مجرى الدم، فيتأهب الإنسان للاحتراز من وساوسه، وشره. والله أعلم. انتهى. وللفائدة، انظر الفتويين: 19683،26111.
والله أعلم.