السؤال
أنا شاب قد هداني الله عز وجل إلى طريق الهدى والاستقامة، وقد تبت توبة خالصة لله عز وجل من جميع الذنوب والمعاصي ـ أسأل الله عز وجل الثبات ـ ولكن ما يشغلني هو خوفي من أن يكون علي حق لأحد من عباده في الدنيا، حيث إنني كنت أعمل في شركة عقارية، وقد كان صاحب هذه الشركة يلجأ إلى الغش والكذب في البيع والشراء من أجل الربح، وقد وظفني لديه وطلب مني أن أتبع طريقته في البيع والشراء، ولجهلي وغفلتي وافقت واتبعت طريقه.فمثلاً: كان يأتيه زبائن من أجل تقييم عقاراتهم، ولكنه كان لا يعطيهم القيمة الحقيقية لهذه العقارات وكان ينقص من قيمتها من أجل أن يستفيد هو ويأخذ بهذا السعر ويبيعها هو بالسعر الحقيقي الأعلى، ومن الصور ـ أيضاً ـ أن يأتيه صاحب عقار ويقول: اعرضوا هذا العقار لديكم بأفضل سعر تجدونه ـ ومن ثم بعد العرض قد نجد مشتر لها بسعر أفضل، فلا نخبره بالسعر الحقيقي، وإنما نعطيه سعرا أقل من الذي وجدناه من أجل أن نستفيد. ومن الصور: أنه لو طلب منا زبون عقارا معينا، فإذا كان طلبه غير متوفر لدينا، وإنما مع شخص آخر بسعر معين فإننا نعرضها على الشخص الآخر بسعر أعلى ونقول ـ غشاً وكذباً ـ بأن مالك العقار يطلب هذا السعر، فإذا تمت البيعة نأخذ المبلغ الزائد.مع العلم أنني لم أكن آخذ من كل تلك المبالغ أو الفائدة أو الربح شيئا، وإنما تذهب إلى حساب الشركة وميزانيتها، إلا في ثلاث حالات تقريباً ـ على ما أذكره ـ حيث كنت أستخدم نفس طريقة الكذب والغش السابقة وبعلم الشركة وكنت أدخل الفائدة في حسابي الشخصي مباشرة، هذا ما أذكره ـ فقط ـ فيمن تعاملت معهم بشكل مباشر وأخذت أموالهم.وقد كانت هذه سياسة الشركة التي اتخذناها في البيع والشراء ـ كنا نمارسها لسنوات عديدة ـ وقد تجاوزت المبالغ مئات الآلاف، بل تعدت ملايين الريالات، ومع عدة أشخاص، ومنهم أيضاً من الشيعة في الخليج للأسف؟ من نتعامل معهم ومن دول مختلفة خارج البلد، ولكن بعد أن منّ الله علي بالهداية راجعت نفسي كثيراً ووقفت أحاسب نفسي كثيراً عن مثل هذه الأمور وعن جوازها وحلها من حرامها، وقد واجهت صاحب الشركة بهذا الأمر ـ ولله الحمد ـ فتقبل النصح والرشد وقد وافقني في الأمور الخاطئة التي كنا نسلكها ـ وهي ما ذكرتها سابقاً ـ وقد اجتمع مع محاسب الشركة وأخبره بأن سياستنا ستتغير من الآن، فلا كذب ولا غش ولا خداع في البيع والشراء حتى ولو لم نربح إلا القليل.وسؤالي هو: بعد أن عرفت الحق وتبت إلى الله عز وجل: فهل علي ـ أنا الموظف البسيط ـ إثم فيما سبق بعد أن تبت ورجعت إلى الله عز وجل؟ وهل يكون علي حق لعباده؟ وهل التوبة تمحو ما قبلها؟ أم لا بد من إرجاع الحقوق لأصحابها والاستحلال منهم؟ وكيف يكون إرجاعها والاستحلال منهم في هذه الحالة؟ وماذا أقول لأصحابها؟ وإن كان هذا يعتبر من الحقوق على العباد، فكيف أستطيع أن أوفيها؟ حيث إنني تعاملت مع أشخاص كثيرين ـ شيعة وسنة وغيرهم ـ فمنهم من أعرفه الآن وعندي أرقام هواتفهم، ومنهم من يتعذر علي الوصول إليه؟ وقد تعاملت معهم أيضاً بمبالغ كثيرة وكبيرة لا أذكرها ولا أستطيع أن أرجعها، وهل يكون الاستحلال بأن أخبرهم بأنني قد كنت أفعل في السابق كذا وكذا في تعاملي معكم في البيع والشراء وكنت أبخس حق عقاراتكم وأراضيكم وكنت أزيد عليكم في الأسعار ولا أعطيكم الأسعار الحقيقية، وكنت أكذب وأغشكم. وأطلب منكم الحل الآن، لأنني تبت الآن إلى الله عز وجل على الرغم أن ذلك قد يؤثر على سمعة الشركة؟ أم هل يجزئ أن أخاطبهم وأقول لهم إنني تبت إلى الله عز وجل ولا أذكر لهم التفاصيل وأطلب منهم الحل في أي معاملة تعاملت معهم بشكل عام لو كان فيها كذب أو غش وخداع دون أن أذكر تفاصيل تلك المعاملة؟.
وأخيراً: أحببت أن أبين أنه قد مر على هذا الأمر سنوات عدة، ولا يوجد أحد من الذين تعاملت معهم سابقا ـ وإلى الآن ـ سواء سنة أو شيعة ـ يُكِنُ لي حقدا أو كراهية تجاه معاملتي معهم في البيع والشراء، حيث يكونون راضين تمام الرضا في البيع والشراء وموافقين على كل ذلك، حيث لا تتم البيعة إلا بموافقتهم، وبعضهم لا زلت متواصلاً معه إلى الآن وبيننا كل الود والتفاهم والاحترام، مع العلم أن كثيراُ منهم ممن اشتروا من عندنا هذه العقارات قد رجعوا إلينا مرة أخرى من أجل بيع عقاراتهم، وقد بعنا عقارات بعضهم بفائدة كبيرة وبربح كبير كانوا لا يحلمون به وقد كانوا يعيدون التعامل معنا لما وجدوه من متابعتنا لعقاراتهم وبيعها لهم وجلب الفائدة لهم وحسن المعاملة.فبعد كل هذا الأسئلة وكل هذه الإطالة، فهل يلحقني إثم أو يلزمني شيء مما سبق؟ وهل يلزم صاحب الشركة شيء لو تاب؟.وبالنسبة لي ـ أنا الموظف البسيط ـ فأنا مستعد لفعل أي شيء من أجل رضا الله عز وجل، حيث إنني أريد أن ألقاه وليس علي حق لأحد من عباده يطالبني به حتى لو كان هذا الأمر سيؤثر علي لاحقاً، فلا شيء يهمني سوى الله عزوجل.