الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن السؤال غير مفهوم، ولكنك إذا كنت محقا في شهادتك الأولى فلا يحل لك كتمانها أخيرا إن لم يوجد غيرك فإن أهل العلم قالوا إن الشهادة فرض كفاية إن وجد من الشهود ما يزيد على من يثبت به الحق وطلبها صاحبه وكان الشاهد لا يخشى ضررا من أدائها، يقول الله تعالى: وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا { البقرة: 282}. ويقول تعالى: وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ { البقرة : 283}.
وإن لم يوجد من الشهود إلا من يقوم به الحق وترتب على عدم أدائها ضياعه تعينت على من علم إذا طلبها صاحب الحق ولم يخف الشاهد بأدائها ضررا على نفسه، أو أهله، أو ماله، فقد قال الله تعالى: وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ { البقرة: 282}.
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضر ولا ضرار. رواه مالك.
وأما إن كنت شهدت الشهادة الأولى قبل بلوغك فلا مؤاخذة عليك فيما يتعلق بحق الله تعالى، لما في الأحاديث من أن القلم مرفوع عنك، لقوله صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ, وعن الصبي حتى يحتلم, وعن المجنون حتى يعقل. رواه أبو داود والترمذي.
فالقاصر قبل البلوغ غير مكلف بفعل الواجبات, واجتناب المحرمات، فإذا بلغ الحلم فإنه يحاسب على جميع أعماله كما يحاسب الكبير، وللبلوغ علامات يعرف بها، وهي مذكورة في السؤال رقم: 10024.
وإن كنت كذبت وحكم بشهادتك فإنك تضمن للمحكوم عليه، لأن الصبي مطالب فيما يتعلق بالإتلاف والضمان من ناحية الخطاب الوضعي لا من ناحية الخطاب التكليفي.
وأما إن كنت شهدت بعد البلوغ شهادة الزور فقد ارتكبت إثما عظيما، لأن شهادة الزور من أكبر الكبائر, وكذلك الحلف على الكذب وهو اليمين الغموس, ويكفي هاتين الجريمتين عظما أنهما قرنتا بالإشراك بالله تعالى وبقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق, ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ الإشراك بالله, وعقوق الوالدين ـ وكان متكئا فجلس ـ فقال: وشهادة الزور, ألا وقول الزور, فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت.
وقال صلى الله عليه وسلم: الكبائر: الإشراك بالله, وعقوق الوالدين, وقتل النفس, واليمين الغموس.
وأما قولك إنك لا تذكر شيئا ثم تراجعت وشهدت بما شهدت به سابقا: فيعتبر من الرجوع عن الشهادة الذي يبطلها قبل الحكم لا بعده، كما قال الدردير المالكي في شرحه لأقرب المسالك: وبطلت الشهادة إن رجع الشاهد أي جنسه الصادق بالمتعدد قبل الحكم وبعد الأداء فأولى قبله، لا إن رجع بعده ـ أي الحكم ـ فلا تبطل وقد تم الحكم ومضى في المال فيغرمه المشهود عليه للمدعي بمقتضى شهادتهما، وغرم الشاهد المال والدية للمشهود عليه بعد أن غرمه للمدعي المشهود له, قال ابن القاسم: إذا رجعا في طلاق، أو عتق، أو دين، أو قصاص، أو حد، أو غبر ذلك فإنهما يضمنان قيمة المعتق, وفي الطلاق إن دخل بالزوجة فلا شيء عليهما, وإن لم يدخل ضمنا نصف الصداق للزوج, ويضمنان الدين والعقل في القصاص في أموالهما، ولا يقبل رجوعهما عن الرجوع عن الشهادة, فإن رجعا عن الرجوع إلى الشهادة لم تقبل منهم, وإذا رجعا بعد الحكم عن الشهادة ثم رجع إليها لم تقبل منهم, وإذا رجعا بعد الحكم عن الشهادة ثم رجع إليها لم تقبل منهم ويغرمان ما أتلفاه بشهادتهما، كالراجع المتمادي، لأن رجوعهما عن الرجوع يعد ندما، ولأنه بمنزلة من أقر ورجع عن إقراره. اهـ.
وإن شهدت، أو حلفت كاذبا فإنه يجب أن تبادر إلى التوبة وتعقد العزم أن لا تعود إلى مثل هذا الأمر، وليس ليمين الغموس كفارة عند جمهور أهل العلم, وذهب الشافعية إلى وجوب كفارة يمين فيها وهذا أحوط، وإذا كانت شهادتك ترتب عليها ضياع حق لمظلوم فإنك تغرمه لمن لم يتمكن من الحصول عليه، كما قال: ابن عاصم المالكي في تحفة الحكام:
وشاهد الزور اتفاقا يغرمه * في كل حال والعقاب يلزمه.
وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتاوى التالية أرقامها: 72596، 46672، 40328، 20787 69809.