الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يستجاب الدعاء بظهر الغيب للكافر

السؤال

هل الدعاء في ظهر الغيب لشخص غير مسلم مستجاب؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنه قد يستجاب الدعاء للكافر بظهر الغيب وليس ذلك من باب الدعاء بظهر الغيب المذكور في صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة, عند رأسه ملك موكل, كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل.

لأن الظاهر في هذا أنه في دعاء المسلم للمسلم، وأما الدعاء للكفار فقد يستجاب، لعموم قوله تعالى: اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ {غافر:60}.

ولما في الحديث عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قدم الطفيل بن عمرو الدوسي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن دوسا قد عصت وأبت فادع الله عليها فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلة ورفع يديه فظن الناس أنه يدعو عليهم فقال: اللهم اهد دوسا وائت بهم. متفق عليه.

ودعا لثقيف كما في الحديث: اللهم اهد ثقيفا. رواه أحمد والترمذي, وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب ـ وقال الأرناؤوط في حديث أحمد: إسناده قوي على شرط مسلم.

وكان اليهود يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول لهم يرحمكم الله, فكان يقول: يهديكم الله ويصلح بالكم. كما في الحديث الذي رواه أحمد والترمذي والبخاري في الأدب المفرد وصححه الأرناؤوط والألباني.

ومحل هذا فيما يجوز الدعاء به كالهداية وصلاح بعض أمورهم الدنيوية التي لا يستعينون بها على الباطل فقد بوب البخاري فقال: باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم.

وقال ابن بطال: كان الرسول يحب دخول الناس في الإسلام, فكان لا يعجل بالدعاء عليهم ما دام يطمع في إجابتهم إلى الإسلام, بل كان يدعو لمن كان يرجو منه الإنابة, ومن لا يرجوه ويخشى ضره وشوكته يدعو عليه, كما دعا عليهم بسنين كسني يوسف, ودعا على صناديد قريش, لكثرة أذاهم وعداوتهم, فأجيبت دعوته فيهم, فقتلوا ببدر, كما أسلم كثير ممن دعا له بالهدى. اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر: حديث أبي موسى دال على أنهم ـ يعني الكفار ـ يدخلون في مطلق الأمر بالتشميت, لكن لهم تشميت مخصوص وهو الدعاء لهم بالهداية وإصلاح البال وهو الشأن ولا مانع من ذلك, بخلاف تشميت المسلمين، فإنهم أهل الدعاء بالرحمة بخلاف الكفار. اهـ.

وأما الدعاء لهم بالرحمة والمغفرة: فلا يجوز اتفاقا، لقوله تعالى: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ {التوبة:113}.

ولعدول النبي صلى الله عليه وسلم عن الدعاء بالرحمة للعاطسين من اليهود إلى الدعاء لهم بالهداية, واختلف في الدعاء لهم بكثرة المال والولد وغير ذلك من المصالح الدنيوية, كما قال الهيتمي في تحفة المحتاج: وجوزه النووي.

وقال المناوي في فيض القدير بجوازه, ذكر ذلك في شرح الحديث: إذا دعوتم لأحد من اليهود والنصارى فقولوا: أكثر الله مالك وولدك.

وهذا الحديث ضعيف السند، فقد رواه ابن عدي وابن عساكر وضعفه الشيخ الألباني.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني