الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم عقد النكاح بدون حضور الأب وبدون صداق

السؤال

أود أن أستشيركم في مسألة تسبب لي الكثير من المعاناة: فأنا شاب مقيم في بلد غربي، خطبت فتاة من عائلتي منذ أربع سنوات، وعقدت عليها منذ عام ونصف وكان ذلك بعقد أجنبي ـ محكمة مدنية إسبانية ـ وكان الغرض من ذلك الحصول على أوراق الإقامة كي أستطيع الحصول على عمل، لكننا نوينا أيضا أن يكون ذلك مصوغا شرعيا لعلاقتنا، كما أن ذلك تم بموافقة والديها، وبحضور اثنين من إخوتي وزوج أختي إضافة إلى أمها، لكن أباها لم يحضر لظروف مهنية، لم نفكر في تلك اللحظة في الصداق ولم يفاتحوني في الأمر وكنا ننوي تسميته عندما نكتب العقد في بلدنا الإسلامي، المهم بعد فترة حصلت على عمل ـ والحمد لله ـ والمشكلة أن تلك الفتاة وعائلتها كانوا دائما يقولون إن عائلتي لا يريدونهم وغير راضين عنها وأن عائلتي لا تسأل عنهم ولا عن الفتاة وأنهم هم الذين يزوروننا دائما، إلا أن عائلتي كانوا على رضا تام بتلك الفتاة ولم يبدوا اعتراضا والمشكلة الكبيرة بدأت عندما أرادت تلك الفتاة أن تأتي للدراسة هنا في إسبانيا، ولم أكن مستعدا أن أنفق عليها في ذك الحين، لأنني كنت حديث الولوج في عالم الشغل فطلبت منها أن تؤجل دراستها عاما واحداً فأبت بشدة واتصلت بي والدتها لتخبرني وبلهجة غير محترمة أن ابنتها ستدرس تلك السنة كلف ذلك ما كلف وأنه لا يحق لي أن أعترض، المهم أنني كنت أحب تلك الفتاة حبا كبيراً فرضيت بالأمر كي لا تقع خلافات كبرى، وكان علي أن أستقبلها في بيتي هنا في إسبانيا مع إخوتي فلم يرض والدي بذلك معللا رفضه بأنني لم أشهر الزواج ولم أسم الصداق بعد، وأنني لا يمكن أن أتشبه بالغرب في ذالك خصوصا وأنني لم أكن أسكن وحيداً فاضطررت لإخبار تلك الفتاة بذلك ويا ليتني لم أفعل، لأن ذلك تسبب في مشاكل عدة اضطررت تلك الفتاة لتأجيل سفرها إلى أن تهدأ الأوضاع، المهم أنها أتت بعد ذلك واضطررت إلى إيجار شقة خاصة واتفقنا على أن نسكن معا بدون علم والدي، لأنني كنت أخشى أن أفقد علاقتي بهم ولم أكن أريد أن أغضبهما، وكان ذلك بعلم والديها اللذين اقترحا علي الفكرة، فما كان علي إلا القبول لإرضاء كل الأطراف، المهم أنها كانت تتشاجر معي كثيراً وأحيانا كانت تقلل من احترام عائلتي وتسبهم وكنت أتغاضى عن ذلك لعل الله يجعل لي مخرجا، كما أنها كانت ترغمني على إخبار والدي بعيشي معها، لكن ذلك كان سيتسبب لي في غضب والدي فكنت أرفض، المهم أنه بعد ذلك وقعت مشاكل بين عائلتي وعائلتها أحسبها خلافات لم تكن لتقع لو أن أمها لم تصرخ وتقلل من احترامها لوالدي في منزلها عندما ذهبوا للاتفاق على موعد ومراسيم حفلة الزواج، ومنذ ذلك الحين وهم يطالبونني بالطلاق خاصة أمها وزوجتي حيث إنهم رفعوا دعوى قضائية للطلاق رغم إصراري على العدول عن ذلك وعن المصالحة خاصة وأنني لم أقصر في حقها يوما في مأكل، ومسكن، ومشرب، وملبس، وكنت أحترمها وأحبها كثيراً، حتى إنني لم أدخل بها دخولا تاما، لأننا كنا نريد أن يكون ذلك بعد إشهار الزواج وتسمية الصداق، المهم أنه لم ينفع معهم وعظ ونحن الآن على وشك الحصول على الطلاق، إلا أنها لا تريد طلاقا وإنما فسخا تاما لذلك الزواج كي تصير كأنها لم تتزوج يوما، عانيت وما زلت أعاني كثيراً من هجرها وطلاقها، لأنني أحبها كثيراً ولم أنو أن أطلقها يوما، أطلب منكم جزاكم الله خير الجزاء، أن تفتوني في هذه المسائل التي ما زالت تتعبني هل زواجي منها كان صحيحا؟ علما بأن العقد أجنبي، وهل أنا آثم بإخفاء أمر عيشي معها عن والدي؟ وفي ماذا أخطأت عامة؟ وما هي مسؤوليتي في ذلك؟ علما بأنني بذلت كل ما بوسعي لإرضاء الجميع، وأن لا يقع الطلاق، وجزاكم الله عنا خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

ففرق بين إجراءات توثيق عقد الزواج في الجهات الرسمية وبين صحة العقد شرعاً، فأما توثيق عقد الزواج في المحاكم في دول الغرب فلا حرج فيه، كما بيناه في الفتوى رقم: 26057.

وأما الزواج فله شروط وأركان لا يصح بدونها، وراجع هذه الشروط والأركان في الفتوى رقم: 5962.

وليس من شروط صحة الزواج ذكر الصداق في العقد، بل يصح العقد من غير ذكر الصداق، وانظر الفتوى رقم: 76154. لكن من شروط صحة الزواج عند الجمهور الولي، وانظر الفتوى رقم: 111441.

وعلى ذلك، فهذا العقد إن كان تم من غير مباشرة ولي، أو وكيله فهو باطل، أما مجرد إخفائك إقامتك مع الفتاة عن والديك فلا إثم فيه، لكنك أخطأت بإقدامك على العقد من غير علم بحكم الشرع فيه، والواجب عليك التوبة إلى الله ومفارقة هذه المرأة، وإذا أردت زواجها فلتعقد عليها عقداً جديداً صحيحاً، وإذا لم ترد هذه الفتاة ولا أهلها الزواج منك فلا تتعب نفسك وراءها وابحث عن غيرها من ذوات الدين والخلق، وأما إذا كان والد الفتاة قد وكل رجلاً في إجراء العقد فالعقد صحيح، وإذا كنت قد دخلت بها قبل أن تفرض لها مهراً فقد وجب لها مهر مثلها، فعن ابن مسعود: أنه سئل عن امرأة تزوجها رجل ولم يفرض لها صداقاً ولم يدخل بها حتى مات، فقال ابن مسعود: لها صداق نسائها ولا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث، فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق امرأة لنا مثل ما قضيت. رواه أبو داود والترمذي وصححه.

مع التنبيه على أن جمهور الفقهاء يجعلون للخلوة الصحيحة حكم الدخول، كما بينا في الفتوى رقم: 43473.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني