الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يشرع أن تخص الأم بعض بناتها بهبة لكونها لم تجَهَّز كأخواتها

السؤال

لي جدة هي أم والدي كتبت لبنت من بناتها جزءا زائدا على ميراثها من أبيها وقالت إنها لم تجهز في زواجها مثل ذويها، مع العلم أنها أتمت تعليمها إلى مرحلة الجامعة وباقي أخواتها لم يتعلمن، وجدتي لما كتب هذا الشيء وهو عقد بيع وشراء رأت جدي في المنام يطفئ نارا وهي تشعلها مرة ثانية وينهاها أن لا توقد النار وطلبت مني أن أشهد على هذا العقد فرفضت أن أشهد عليه، فما حكم الشرع في ذلك؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعـد:

فلا يجوز تفضيل بعض الأولاد على بعض في الهبة دون مسوغ شرعي، فإن خُصِّص بعضهم بغير مسوغ بطلت الهبة ووجب ردها، على الراجح من أقوال أهل العلم، كما فصلناه في الفتويين رقم: 107734 6242.
وما ذكر في السؤال من أن البنت الموهوب لها لم تجهز في زواجها مثل ذويها، لا يسوغ تخصيصها بالهبة فإن تجهيز بيت الزوجية لا يجب على أم الزوجة، والأصل فيه أنه من واجبات الزوج، وليس على الزوجة ولا على أهلها شيء من ذلك، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 31057.
وأما على افتراض أن نفقة هؤلاء البنات كانت واجبة على أمهن لغناها وفقر بناتها، وموت أبيهن وجدهن، فإنها إن جهَّزت بناتِها للزواج وتحمَّلت مصروفاتِ تعليمهن بالمعروف، كان ذلك من باب النفقة لا من باب الهبة والتسوية بين الأولاد إنما تجب في الهبات لا في النفقات، لأن النفقة تكون بحسب الحاجة والعرف، فما تحتاجه هذه قد لا تحتاجه تلك، وأما ما زاد على الحاجة والعرف فهو من باب النُّحْل ـ الهبة ـ فيجب فيه التسوية بإعطاء البقية ما يتحقق به العدل، قال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى: إن فضل حيث منعناه فعليه التسوية، أو الرد وينبغي أن يكون على الفور، والحديث والآثار تدل على وجوب التعديل بينهم في غير التمليك أيضا، وهو في ماله ومنفعته التي ملكهم والذي أباحهم كالمسكن والطعام ، ثم هنا نوعان:
نوع يحتاجون إليه من النفقة في الصحة والمرض ونحو ذلك: فتعديله فيه أن يعطي كل واحد ما يحتاج إليه، ولا فرق بين محتاج قليل، أو كثير.
ونوع تشترك حاجتهم إليه من عطية، أو نفقة، أو تزويج: فهذا لا ريب في تحريم التفاضل فيه، وينشأ بينهما نوع ثالث، وهو أن ينفرد أحدهم بحاجة غير معتادة، مثل أن يقضي عن أحدهم دينًا وجب عليه من أرش جناية أو يعطي عنه المهر، أو يعطيه نفقة الزوجة ونحو ذلك، ففي وجوب إعطاء الآخر مثل ذلك نظر، وتجهيز البنات بالنحل أشبه، وقد يلحق بهذا، والأشبه أن يقال في هذا: إنه يكون بالمعروف، فإن زاد على المعروف فهو من باب النحل، ولو كان أحدهما محتاجا دون الآخر أنفق عليه قدر كفايته، وأما الزيادة فمن النحل. اهـ.

وعلى هذا، فينبغي النظر في قيمة تجهيز بقية الأخوات وقيمة تعليم أختهن المخصوصة بالهبة المذكورة، فإن كان كل ذلك بالمعروف دون زيادة، فليس من باب الهبة، بل من باب النفقة، وإن كان هناك قدر زائد على الحاجة في أي من الجهتين، فهذا هو الذي يعطى حكم الهبة في وجوب تحقيق العدل، وذلك بإعطاء البقية ما يتحقق به العدل دون زيادة على ذلك، وبحسب ذلك يكون حكم شهادة الأخ السائل على هذه الهبة، فما لم يكن منها جورا جاز له الشهادة، وإلا فلا، هذا، وننبه على أن الهبة إنما تكون مع التمليك المنجَّز، وأما ما يُعلَّق بالموت فليس بهبة أصلا، بل هو وصية.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني