الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فواجب المسلم أن ينكر المنكر بقدر استطاعته، سواء أعرف الشخص المرتكب له أو لا، فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم فرائض الإسلام الكفائية، قال الله تعالى: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. {آل عمران:104}، وقال صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويتقيدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل. رواه مسلم وغيره.
وأدنى درجات إنكار المنكر الإنكار بالقلب، وضابطه بغض المنكر. وقد بينا معنى إنكار المنكر بالقلب خاصة في الفتوى رقم: 1048 .
وبالنسبة للسائل الكريم: فبغضه لما حصل وشعوره أنه من نواقض الإسلام هو دليل على إنكاره له بقلبه، وهذا يدل على عدم الرضا بهذا وعدم إقراره، وبالتالي ففعله لا يخرجه من الملة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها. رواه أبو داود، وحسنه الألباني.
قال العظيم آبادي في (عون المعبود): أي في المشاركة في الإثم وإن بعدت المسافة بينهما. اهـ.
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع. رواه مسلم. قال السيوطي في (الديباج): أي هو المؤاخذ المعاقب. اهـ.
ولعل الأصل فيما أشرت إليه قوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ {النساء: 140}.
ولكن هذا لا يخرج العبد من الملة هكذا بإطلاق، فإن هذا إنما يكون مع الرضا بقولهم وإقرارهم عليه، فالمثلية المذكورة في الآية لها درجات متفاوتة.
قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: هذه المماثلة لهم خارجة مخرج التغليظ والتهديد والتخويف، ولا يصير المؤمن منافقاً بجلوسه إلى المنافقين، وأريد المماثلة في المعصية لا في مقدارها، أي أنّكم تصيرون مثلهم في التلبّس بالمعاصي. اهـ.
وقال الطبري: يعني: فأنتم إن لم تقوموا عنهم في تلك الحال، مثلُهم في فعلهم، لأنكم قد عصيتم الله بجلوسكم معهم وأنتم تسمعون آياتِ الله يكفر بها ويستهزأ بها، كما عصوه باستهزائهم بآيات الله، فقد أتيتم من معصية الله نحو الذي أتَوْه منها، فأنتم إذًا مثلهم في ركوبكم معصية الله وإتيانكم ما نهاكم الله عنه. اهـ.
وفي الموسوعة الفقهية: السكوت: ترك الكلام. والسكوت عن الأمر: عدم الإنكار ـ والصلة بينه وبين التقرير هي أن السكوت عند الفقهاء قد يكون تقريرا وقد لا يكون.
ومن القواعد الفقهية: لا ينسب لساكت قول.
قال الزركشي: السكوت بمجرده ينزل منزلة التصريح بالنطق في حق من تجب له العصمة، ولهذا كان تقريره صلى الله عليه وسلم من شرعه، وكان الإجماع السكوتي حجة عند كثيرين، أما غير المعصوم فالأصل أنه لا ينزل منزلة نطقه إلا إذا قامت قرائن تدل على الرضا فينزل منزلة النطق. اهـ.
فالعبرة بالرضى بالكفر حتى تتحقق المثلية التامة.
قال النووي رحمه الله في روضة الطالبين: والرضى بالكفر كفر، حتى لو سأله كافر يريد الإسلام أن يلقنه كلمة التوحيد فلم يفعل، أو أشار عليه بأن لا يسلم، أو على مسلم بأن يرتد فهو كافر. انتهى.
والله أعلم.