الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحج مشروط بالاستطاعة

السؤال

والدي مقطوع الرجل اليسرى، وقد وضع رجلًا اصطناعية، فهل يسقط عنه الحج؟ مع العلم أن له القدرة المالية، وهو يقود السيارة، ويمشي مشية سليمة. جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كان والدك يستطيع أداء الحج بنفسه، دون مشقة شديدة، وجب عليه أن يحجّ حجة الإسلام عن نفسه؛ لوجود الاستطاعة البدنية، والمالية، بل لو كان عاجزًا بنفسه، لكنه يجد من يعينه على ذلك، بحيث يستطيع أداءه دون مشقة شديدة؛ لكان واجبًا عليه؛ لأن وجوب الحج مشروط بالاستطاعة، فحيثما وجدت، وجب الحج.

وقد نصّ أهل العلم على أن مقطوع الرجلين يجب عليه الحج بنفسه، إن وجد الزاد والراحلة، ووجد من يعينه على أداء الحج، دون مشقة شديدة.

وإذا كان الحج واجبًا على مقطوع الرجلين واليدين، إذا وجد من يعينه على أدائه، فمن باب أولى مقطوع الرجل الواحدة، إن استطاع ذلك، ولو بإعانة غيره، لا سيما والرجل المذكور يمشي برجل اصطناعية كالمعتاد -حسب السؤال-، ففي المجموع للنووي: قال أصحابنا: إن وجد للأعمى زاد، وراحلة، ومن يقوده ويهديه عند النزول، ويركبه، وينزله، وقدر على الثبوت على الراحلة، بلا مشقة شديدة، لزمه الحج. وكذلك مقطوع اليدين والرجلين، ولا يجوز لهما الاستئجار للحج عنهما -والحالة هذه-.

وإن لم يكن كذلك، لم يلزمهما الحج بأنفسهما، ويكونان معضوبين، هذا هو الصحيح في مذهبنا، وبه قال أبو يوسف، ومحمد، وأحمد. انتهى.

وقال الحطاب في مواهب الجليل على مختصر خليل في الفقه المالكي: ومقطوع الرجلين واليدين، كغيره، إذا وجد من يقوم بأمره عند الشافعية، وهو مقتضى قول المالكية. انتهى.

وإن كان لا يستطيع أداء الحج إلا بمشقة شديدة، ولا يجد من يعينه على ذلك، فهو معضوب، كمقطوع الرجلين عند العجز، وقد نصّ على ذلك بعض أهل العلم، قال ابن نجيم في البحر الرائق من كتب الحنفية: قوله: ولا مقطوع الرجلين: الظاهر أن مقطوع الرجل الواحدة، ومقطوع اليدين كذلك؛ لظهور الحرج عليهما، إن وقع التكليف للحج بأنفسهما، ثم رأيت الكرماني، نصّ على مقطوع اليدين أيضًا، فمقطوع الرجل الواحدة بالأولى. كذا في شرح اللباب للملا علي القاري. انتهى.

والمعضوب يسقط عنه الحج بنفسه؛ لأن الله تعالى لا يكلف الإنسان مع عجزه، إنما يكلفه إذا كان قادرًا.

فإن كان له مال، ووجد من ينوبه في الحج، وجبت عليه الاستنابة عند جمهور الفقهاء؛ بشرط أن يكون النائب قد حج عن نفسه، قال النووي في المجموع في تعريف المعضوب الذي تجوز النيابة عنه في الحج: وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ عَجْزًا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ لِكِبَرٍ، أَوْ زَمَانَةٍ، أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ، أَوْ كَانَ كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ شديدة، أو كان شابًّا نضؤ الْخَلْقِ لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ؛ فَهَذَا مَعْضُوبٌ. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني