السؤال
قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الناس إذا رأو المنكر فلم يأخذوا على يد من يفعله أوشك الله أن يعمهم بعذاب قبل أن يموتوا ـ وقوله: ليضربن الله قلوبكم بعضها على بعض وليلعلنكم كما لعنهم ـ هل يدخل فيه جميع المنكرات كبيرها وصغيرها حتى المكروهات كالتثاؤب وغير ذلك؟ أو ما المراد من المنكر في حديث النبي صلى الله عليه؟ وما هي أنواعه وحدوده؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا المنكر يدخل فيه جميع المحرمات كبائرها وصغائرها ولا يدخل فيه المكروهات، لأن المكروه عرفه العلماء بقولهم: هو ما يثاب على تركه ولا يعاقب على فعله ـ وإذا كان لا يترتب عليه إثم ولا عقاب لفاعله فمن باب أولى أن لا يعاقب من لم ينكره، وقد صرح أهل العلم بأن النهي عن المكروه مستحب وليس واجبا، قال الزركشي في المنثور في كلامه على فرض الكفاية: ومنه: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, قال الرافعي: والمراد به الأمر بالواجبات والنهي عن المحرمات، قلت: ولهذا نقل الإمام عن معظم الفقهاء أن الأمر بالمستحب مستحب. اهـ.
وقال السفاريني في شرح منظومة الآداب: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ترك الواجب وفعل المحرم واجب وفي ترك المندوب وفعل المكروه مندوب، قاله ابن عقيل في آخر الإرشاد. اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية: الأمر بالمعروف ـ أي ما عرف من طاعة الله والتقرب إليه والإحسان إلى الناس ـ والنهي عن المنكر, وهو ما فيه غضب الله من قول أو فعل: أصل من أصول الدين كما يقول الغزالي, وهو واجب في الجملة، وحكى النووي وابن حزم الإجماع على ذلك، فالسكوت عند رؤية ارتكاب المنكر المتفق على تحريمه حرام, والنهي عنه واجب, وذلك حين توفر شروطه والمراتب والوسائل المذكورة في حديث أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ مرفوعا: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. اهـ.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض وقد استفاضت الأدلة بالحض عليه، فقد قال الله تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ {آل عمران:104}.
قال أبو بكر الجصاص: قد حوت هذه الآية معنيين:
أحدهما: وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والآخر: أنه فرض على الكفاية ليس بفرض على كل أحد في نفسه إذا قام به غيره، لقوله تعالى: ولتكن منكم أمة ـ وحقيقته تقتضي البعض دون البعض, فدل على أنه فرض الكفاية إذا قام به بعضهم سقط عن الباقين، ومن الناس من يقول هو فرض على كل أحد في نفسه ويجعل مخرج الكلام مخرج الخصوص في قوله: ولتكن منكم أمة ـ مجازا, كقوله تعالى: يغفر لكم من ذنوبكم ـ ومعناه: ذنوبكم، والذي يدل على صحة هذا القول أنه إذا قام به بعضهم سقط عن الباقين, كالجهاد وغسل الموتى وتكفينهم والصلاة عليهم ودفنهم, ولولا أنه فرض على الكفاية لما سقط عن الآخرين بقيام بعضهم به، وقد ذكر الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مواضع أخر من كتابه, فقال عز وجل: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ـ وقال فيما حكى عن لقمان: يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ـ وقال تعالى: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ـ وقال عز وجل: لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ـ فهذه الآي ونظائرها مقتضية لإيجاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ...اهـ.
والله أعلم.