السؤال
أفتيتم بأن الأفضل في النوافل طول القيام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أفضل الصلاة طول القيام. ولكن لماذا لا يكون هذا الحديث خاصا بالليل فقط، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل. وبذلك يكون حديث: أفضل الصلاة طول القيام. المراد منه صلاة الليل لا صلاة النهار بدليل الحديث الآخر، وبذلك يكون الأفضل في النهار كثرة السجود مع التخفيف لا غير، وفي الليل طول القيام وذلك خاص بالليل فقط دون النهار. هل فهمي وكلامي صحيح؟ أم أن حديث أفضل الصلاة طول القنوت عام يشمل الليل والنهار كلاهما بلا تفريق ؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فان الأفضلية المتعلقة بتطويل القيام المصرح بها في هذا الحديث لا تعارض الأفضلية المتعلقة بوقت الصلاة في الحديث الآخر، ولا تتوارد معها على محل واحد كما هو واضح.
وعليه؛ فقصر المراد من الحديث الأول على صلاة الليل بدليل الحديث الآخر غير وارد بالمرة، ولكن هنالك من أهل العلم من يقول بأن طول القيام في صلاة الليل خاصة أفضل، وذلك لأدلة أخرى، وقد نقل ذلك عن إسحاق بن راهويه.
وللفائدة ننقل لك بعض كلام أهل العلم في موضوع المفاضلة بين طول القيام وكثرة السجود والركوع.
جاء في كشف المشكل من حديث الصحيحين لأبي الفرج عبد الرحمن الجوزي : الحَدِيث السَّادِس وَالْعِشْرين: ((أفضل الصَّلَاة طول الْقُنُوت)) ...... وَقد اخْتلف الْعلمَاء: هَل الْأَفْضَل كَثْرَة الرُّكُوع وَالسُّجُود أَو طول الْقيام؟ فَأَما الإِمَام أَحْمد فَإِنَّهُ قَالَ: قد رُوِيَ فِي هَذَا حديثان، وَلم يقْض فِيهِ بِشَيْء. يُشِير إِلَى حَدِيث جَابر فِي طول الْقيام، وَإِلَى مَا سَيَأْتِي من حَدِيث ربيعَة عَن كَعْب أَنه سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرافقته فِي الْجنَّة، فَقَالَ لَهُ: ((أَعنِي على نفسك بِكَثْرَة السُّجُود)) وَقَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه: أما بِالنَّهَارِ فكثرة الرُّكُوع وَالسُّجُود، وَأما بِاللَّيْلِ فطول الْقيام، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح؛ لِأَنَّهُ لم ينْقل عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صَلَاة اللَّيْل إِلَّا طول الْقيام، وَلم ينْقل عَنهُ فِي صَلَاة النَّهَار طول قيام، والسر فِي ذَلِك أَن الْقيام إِنَّمَا يُرَاد للْقِرَاءَة، وَالْقِرَاءَة ترَاد للتفكر، وَالْقلب يَخْلُو فِي اللَّيْل عَن الشواغل فَيحصل الْمَقْصُود من التِّلَاوَة بِخِلَاف النَّهَار. . انتهى
وقال النووي رحمه الله: وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ أَحَدُهَا: أَنَّ تَطْوِيلَ السُّجُودِ وَتَكْثِيرَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ، حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَغَوِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ، وَمِمَّنْ قَالَ بِتَفْضِيلِ تَطْوِيلِ السجود ابن عُمَرَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجَمَاعَةٍ أَنَّ تَطْوِيلَ الْقِيَامِ أَفْضَلُ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ ـ وَالْمُرَادُ بِالْقُنُوتِ الْقِيَامُ، وَلِأَنَّ ذِكْرَ الْقِيَامِ الْقِرَاءَةُ، وَذِكْرَ السُّجُودِ التَّسْبِيحُ، وَالْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ، لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُطَوِّلَ الْقِيَامَ أَكْثَرَ مِنْ تَطْوِيلِ السُّجُودِ، وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَقْضِ فِيهَا بِشَيْءٍ، وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: أَمَّا فِي النَّهَارِ فَتَكْثِيرُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ، وَأَمَّا فِي اللَّيْلِ فَتَطْوِيلُ الْقِيَامِ؛ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ جُزْءٌ بِاللَّيْلِ يَأْتِي عَلَيْهِ فَتَكْثِيرُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ، لِأَنَّهُ يَقْرَأُ جُزْأَهُ وَيَرْبَحُ كَثْرَةَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: إِنَّمَا قَالَ إِسْحَاقُ هَذَا لِأَنَّهُمْ وَصَفُوا صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بالليل بطول القيام، ولم يُوصَفُ مِنْ تَطْوِيلِهِ بِالنَّهَارِ مَا وُصِفَ بالليل. انتهى
والله أعلم.