الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الإجارة على الإجارة في زمن الخيار وبعده

السؤال

أرجو أن تفتوني مأجورين في حكم التالي:
السؤال الأول: إذا كان أحد ملّاك المحلات التجارية قد أجَّر محله لشخص بألف ريال مثلًا لمدة معينة، فما حكم أن أقدِّم للمالك ألفًا وخمسمائة مقابل أن يؤجرني هذا المحل؟ ولهذا السؤال حالتان: الأولى: أن أقول له: إذا انتهى عقده فلا تجدد له بألف، فأنا سأدفع لك أكثر من ذلك المبلغ، والحالة الثانية أن أقول له: أخرجه قبل نهاية العقد مقابل أن تؤجرني.
السؤال الثاني - وهو قريب من الأول - إذا رأيت أحد العاملين في مكان ما يعمل بأجر معين، فما حكم أن أعرض عليه أجرًا أعلى مقابل أن يترك الشخص الذي يعمل معه, ويعمل معي؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد روى البخاري ومسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ.

والإجارة بيع للمنافع, وقد دل الحديث على تحريم بيع المسلم على بيع أخيه، وكذلك إجارته على إجارته, قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في الفتاوى الكبرى: ومما هو كالبيع بطريق الأولى إجارته على إجارة أخيه...، فإن ضرره بذلك أشد من ضرر البيع غالبًا، وأقبح منه أن يكون متوليًا ولاية أو منزلًا في مكان يأوي إليه, أو يرتزق منه، فيطلب آخر مكانه. انتهى .

والمنع من هذا في الزمن الذي يتمكن فيه المتعاقد من الترك, وذلك في زمن الخيار.

جاء في كشاف القناع ممزوجًا بمتن الإقناع: وكذا استئجاره على إجارة أخيه في مدة خيار: مجلس أو شرط .

أما بعد الخيار فهل يمنع؛ إذ الإجارة عقد لازم لا يجوز لواحد من الطرفين نقضها قبل انقضاء المدة المتفق عليها إلا بموافقة الطرف الآخر- وبالتالي لا تأثير لهذا الإغراء على العقد - أم أن المنع مستمر في مدة العقد لاعتبارات أخرى؟

وقد رجح شيخ الإسلام المنع في زمن الخيار وبعده, قال في مجموع الفتاوى عند ذكره للقول بعدم التقييد بإمكان الفسخ: كلام أحمد أيضًا مطلق لم يقيده بهذه الصورة، وهذا أجود لوجهين: أحدهما: أن المشتري قد يمكنه الفسخ بأسباب غير خيار المجلس والشرط مثل: خيار العيب والتدليس, والخلف في الصفة والغبن وغير ذلك، ثم لا يريد الفسخ فإذا جاء البائع على بيع أخيه ورغبه في أن يفسخ ويعقد معه، كان هذا بمنزلة أن يأتيه في زمن خيار المجلس.

الثاني: أن العقد الأول - وإن لم يمكن أحدهما فسخه - فإنه قد يجيء إليه فيقول له: قايل هذا البيع وأنا أبيعك؛ فيحمله على استقالة الأول، والإلحاح عليه في المقايلة فيجيبه عن غير طيب نفس, كما هو الواقع كثيرًا إن لم يخدعه خديعة توجب فسخ البيع، وهذا قد يكون أشد تحريمًا لما فيه من مسألة الغني ما لا حاجة له به، ومخالفة قوله: «دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض» وغير ذلك. انتهى

وعليه: فالمنع مطلقًا هو الأولى لما ذكر, ولما قد يتركه ذلك الفعل في النفوس من العداوة والبغضاء؛ حتى لو تنازل أحدهما عن العقد باختياره, فإنه سيحنق على من أفسد عليه الطرف الثاني وأغراه بفسخ العقد وتركه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني