السؤال
ذكرتم في الفتوى رقم: 135734 .
"فمشاهدة هذه الأشياء لمجرد التسلي مع اعتقاد بطلانها لا ينفع صاحبه في رفع الإثم، ولكنه ينفعه في رفع الكفر؛ لأن اعتقاد بطلانها يعني عدم الرضا بها، أو بتعبير أقرب لنصوص الشرع. يعني إنكار القلب لها، وهذا الإنكار القلبي يدل على بقاء أصل الإيمان"
ولكن رأيت تناقضا لهذا الكلام مع الفتوى رقم 2386220 :
"وقد ذكر أهل العلم أنه يحرم التفرج على الحرام وأن ذلك يدل على الرضا به. جاء في حاشية البجيرمي: وَمَا هُوَ حَرَامٌ فِي نَفْسِهِ يَحْرُمُ التَّفَرُّجُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ رِضًا بِهِ. اهـ.
وجاء في تحفة المتاج: وَكُلُّ مَا حَرُمَ حَرُمَ التَّفَرُّجُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ"
علما بأنني أفعل ما هو مذكور في الفتوى الأولى وهو مشاهدة أفلام كوميدية تحوي بعض الأشياء الكفرية ومتابعتها، ولكن مع كراهية الأشياء الكفرية والاكتفاء بإنكارها بالقلب .
ما حكم هذا مع بيان سبب التناقض في الفتويين السابقتين؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فنقول ابتداء: إن الرضا بالشيء عمل قلبي في الأصل, ومجرد حضور المنكر أو رؤيته ليس في حد ذاته رضا به, وإنما قد يكون علامة أو دليلا على الرضا؛ فقد يحضر المسلم إلى مكان المنكر لإنكاره أو السعي في تقليله، وقد يشاهد شيئا من المنكر ليعرف حقيقته فينكره عن علم وبينة وهو كاره له وساخط عليه وعلى فاعليه. فمجرد الحضور ليس رضا, وإنما يكون رضا عند عدم وجود إنكار القلب, ولذا يعبر بعض الفقهاء بتعبير أدق فيقولون عن حضور المنكر إنه كالرضا به, أو حضوره فيه إشعار بالرضا ونحو ذلك.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح عن الوليمة التي تشتمل على منكر: ... تحريم الحضور؛ لأنه كالرضا بالمنكر ... اهـ.
وقال الألوسي في تفسير قوله تعالى: { والذين لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ } قال: لا يشهدون مجالس الباطل؛ لما في ذلك من الإشعار بالرضا به. اهــ .
وقال الجصاص في أحكام القرآن عند تفسير قوله تعالى: {فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إنَّكُمْ إذًا مِثْلُهُمْ }. قال: إَنَّكُمْ مِثْلُهُمْ فِي الرِّضَا بِحَالِهِمْ فِي ظَاهِرِ أَمْرِكُمْ، وَالرِّضَا بِالْكُفْرِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِآيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى كُفْرٌ، وَلَكِنْ مَنْ قَعَدَ مَعَهُمْ سَاخِطًا لِتِلْكَ الْحَالِ مِنْهُمْ لَمْ يَكْفُرْ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُوَسَّعٍ عَلَيْهِ فِي الْقُعُودِ مَعَهُمْ. اهــ.
فدل هذا على أن الحضور مع إنكار القلب لا يعتبر رضا؛ وإن كان فيه إثم.
إذا تبين هذا، فالفقهاء الذين قالوا إن حضور المنكر هو رضا به, يمكن حمل كلامهم على ما إذا لم يكن هناك إنكار بالقلب، وحينئذ يتفق الكلام في الفتويين ولا يتعارض.
ويجب عليك أيها السائل الكف عن مشاهدة تلك المسلسلات التي فيها استهزاء بشعائر الدين، وقد تبين لك – من كلام الجصاص في أحكام القرآن - أنه لا يسعك مشاهدتها حتى مع إنكار القلب، وإنما ينتفي عنك الكفر، ولكن يلازمك الإثم على مشاهدتها.
قال الشيخ ابن عثيمين- رحمه الله تعالى- عن مشاهدة المحرم مع وجود إنكار القلب: حضور المحرم ولو مع كراهة الإنسان له بقلبه يكون فيه الإنسان مشاركا للفاعل . اهــ.
والله تعالى أعلم