السؤال
بدأت أكره مجتمعي، لأنني أرى فيه الكذب العلني والصريح، فنحن جماعة واحدة وننتسب لأكثر من قبيلة، فينتسبون لقبيلة واحدة وهم يعلمون بذلك لكنهم يجحدون قبيلتهم الأصلية، مثال بسيط ومؤلم لما نحن فيه: أبي يكتب اسم قبيلة وأخوه ينتمي لقبيلة بعيدة كل البعد عنه وهو عمي نسبه من نسبنا، وغير أبي وعمي الكثير من جماعتنا، ومن المؤسف أن كل ذلك بغرض الفخر، أعلم جيد أن الإسلام لا يقبل مثل هذا لذلك أحببت أن أستفسر عن الحكم مع الأدلة سعيا لتصحيح المفاهيمهم المغلوطة، وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصحك بالحرص على هداية قومك وتعليمهم ما يلزمهم من أحكام الشرع مع الاستعانة على ذلك بالدعاء والرفق وإطلاعهم على كلام أهل العلم في هذه المسائل، وفي مسألة النسب هذه فإنه لا يجوز للإنسان تغيير نسبه بالانتماء إلى نسب آخر، فقد روى البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام.
وروى البخاري ومسلم أيضاً من حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر، ومن ادعى قوما ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار.
وروى مسلم أيضاً من حديث علي ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا.
وقد ورد في بعض روايات الحديث: من ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه رغبة عنهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.... أي بزيادة عبارة:رغبة عنهم. أخرجه الإمام أحمد والترمذي والدارمي وابن حبان وغيرهم، وصححه الشيخ الألباني.
قال ابن دقيق العيد في كتابه إحكام الأحكام في شرح حديث أبي ذر رضي الله عنه: ليس من رجل ادعى لغير أبيه... الحديث يدل على تحريم الانتفاء من النسب المعروف، والاعتزاء إلى نسب غيره، ولا شك أن ذلك كبيرة، لما يتعلق به من المفاسد العظيمة. انتهى.
وقال المناوي في فيض القدير: أي من رغب عن أبيه والتحق بغيره تركاً للأدنى ورغبة في الأعلى، أو خوفاً من الإقرار بنسبه، أو تقرباً لغيره بالانتماء، أو غير ذلك من الأغراض. انتهى.
وقد وضح أهل العلم معنى الكفر المذكور في الحديث، فقد قال النووي: فيه تأويلان:
أحدهما: أنه في حق المستحل ـ أي من استحل فعل هذا مع علمه فقد كفر.
الثاني: أنه كفر النعمة والإحسان وحق الله تعالى وحق أبيه. انتهى.
وقد رجح ابن حجر في الفتح أن المراد كفر النعمة وأن ظاهر اللفظ غير مراد، وإنما ورد على سبيل التغليظ والزجر لفاعل ذلك، أو المراد بإطلاق الكفر أن فاعله فعل فعلا شبيها بفعل أهل الكفر، وقال رحمه الله: وفي الحديث تحريم الانتفاء من النسب المعروف والادعاء إلى غيره، وقيد في الحديث بالعلم ولا بد منه في الحالتين إثباتاً ونفياً، لأن الإثم إنما يترتب على العالم بالشيء المتعمد له. اهـ.
والله أعلم.