الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقعقاع بن عمرو البطل المشهور، لم تثبت صحبته من طريق صحيحة، ولذلك قال ابن أبي حاتم في ترجمته في الجرح والتعديل: قعقاع بن عمرو، قال: شهدت وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما رواه سيف بن عمر، عن عمرو بن تمام عن أبيه عنه، وسيف متروك الحديث، فبطل الحديث، وإنما كتبنا ذكر ذلك للمعرفة. اهـ.
وقد أخرج ابن السكن هذا الحديث ثم قال: سيف بن عمر ضعيف، ويقال هو القعقاع بن عمرو بن معبد التميمي. اهـ.
كما نقله ابن حجر في الإصابة، يعني أنه على ضعف سيف في الرواة، فإن هذا الحديث يقال إن صوابه قعقاع آخر صحابي وهو القعقاع بن عمرو بن معبد! والمقصود أن هذا الحديث الذي يثبت صحبة القعقاع، إنما رواه سيف بن عمر وحده، وهو متروك الحديث عند ابن أبي حاتم.
وقال عنه ابن حجر في التقريب: ضعيف الحديث، عمدة في التاريخ، أفحش ابن حبان القول فيه، اهـ.
يعني أن ابن حبان رماه بوضع الحديث، ولذلك ذكر غير واحد من أهل العلم صحبة القعقاع بصيغة التمريض: يقال، وقيل، كما قال ابن عساكر في ترجمته من تاريخ دمشق: يقال: إن له صحبة، وكان أحد فرسان العرب الموصوفين وشعرائهم، شهد اليرموك وفتح دمشق وشهد أكثر وقائع أهل العراق مع الفرس، وكانت له في ذلك مواقف مشكورة ووقائع مشهورة. اهـ.
وقال الذهبي في تاريخ الإسلام: قيل: إنه شهد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ.
ولذلك أيضا ذكروه في رواة المراسيل، فقال العلائي في جامع التحصيل، وابن العراقي في تحفة التحصيل: القعقاع بن عمرو التميمي، قال الصغاني: في صحبته نظر. اهـ.
وهذا ـ فيما نعتقد ـ هو مراد الشيخ الحويني، وهو الكلام في صحبة القعقاع، لا في وجوده وتاريخه وفضله!.
وأما الواقدي: فهو من أوعية العلم في الأخبار والسير، ولكن روايته للحديث مردودة، قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء: صاحب التصانيف والمغازي.. أحد أوعية العلم على ضعفه المتفق عليه. اهـ.
وقال عنه ابن حجر في التقريب: متروك مع سعة علمه. اهـ.
فليس حاله كحال الطبري، فالطبري صاحب تصانيف هو الآخر، ولكنه ثقة مقبول الرواية، وإنما يُردُّ ما يُسنِده من الأخبار والروايات بسبب ضعف رجال إسناده، لا بسببه هو، هذا مع تأخره عن الواقدي بقرن كامل، حيث مات سنة 310 هـ، وأما الواقدي فمات سنة 207 هـ.
وأما عمرو بن الحمق الخزاعي، فقد ذكر غير واحد من المؤرخين تألبيه على عثمان ـ رضي الله عنه ـ حكى ذلك في ترجمته: ابن عساكر والمزي وابن حجر وغيرهم، وقال ابن سعد في الطبقات الكبرى: كان فيمن سار إلى عثمان وأعان على قتله. اهـ.
وقال ابن يونس في تاريخه: كان أحد من ألّب على عثمان بن عفان. اهـ.
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: كان ممن سار إلى عثمان، وهو أحد الأربعة الذين دخلوا عَلَيْهِ الدار فيما ذكروا. اهـ.
وهذه الحكايات كما ترى مرسلة ليست مسندة ليمكن الحكم عليها صحة وضعفا! ثم إن التأليب عليه غير القتل والإعانة على القتل، فالله أعلم بحقيقة ذلك، وقد قال خليفة بن خياط في تاريخه: حدثنا عبد الأعلى بن الهيثم، قال: حدثني أبي، قال: قلت للحسن: أكان فيمن قتل عثمان أحد من المهاجرين والأنصار؟ قال: لا، كانوا أعلاجا من أهل مصر. اهـ.
وقال ابن كثير في البداية والنهاية: روى الحافظ ابن عساكر أن عثمان لما عزم على أهل الدار في الانصراف ولم يبق عنده سوى أهله تسوروا عليه الدار وأحرقوا الباب ودخلوا عليه، وليس فيهم أحد من الصحابة ولا أبنائهم، إلا محمد بن أبي بكر. اهـ.
وراجع للأهمية في من شارك في الدماء التي جرت في الفتن التي حدثت في عهد الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ الفتوى رقم: 134800.
والله أعلم.