الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إذا لم يخرج الوصي على المال الزكاة فمن يلزمه إخرجها إذا استلمها الموصى عليه

السؤال

جزاكم الله خيراً على ما تقدمونه للمسلمين من نصح وإرشاد: كنت وصياً على أخي الصغير بعد وفاة والدي ـ رحمه الله ـ منذ حوالي خمس سنوات، وأدخر له المال وأضعه في حسابه بالبنك، وقد بلغ هذا المال نصابا وحال عليه الحول منذ حوالي ثلاث سنوات، لكنني ـ سامحني الله ـ لم أخرج زكاة هذا المال، وقد بلغ أخي سن الواحد والعشرين الآن وتسلم مني أمواله التي ادخرتها له، وأخبرته أن هذا المال عليه زكاة لم يتم إخراجها. وعندي ثلاثة أسئلة:
أولاً: هل علي أنا شخصياً إثم، لعدم إخراج زكاة هذا المال؟ وما هي كفارته حتى يرضى الله عني؟.
ثانياً: من المسؤول الآن عن إخراج هذه الزكاة؟ وهل هو أخي أم أنا؟.
ثالثاً: لو أن أخي ـ لا قدر الله ـ فرط في إخراج هذه الزكاة بعد أن أخبرته، فمن المذنب؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما دمت وصيا على مال أخيك لعدم رشده ـ كما هو الظاهر ـ فقد كان الواجب عليك أن تخرج زكاة مال أخيك إذا بلغ المال نصابا وحال عليه الحول، وحيث لم تفعل فقد وقعت في المحظور، فالواجب عليك أن تتوب من عدم دفعك الزكاة في وقتها الواجب، والمسؤول الآن عن إخراج الزكاة ـ بما في ذلك السنوات الماضية ـ هو أخوك إن كان راشدا، وإلا وجب عليك استرجاع أمواله وإخراج زكاتها، جاء في الموسوعة الفقهية عند كلامه عن انتهاء الوصاية ما نصه: وَإِنْ كَانَ هَذَا الْعَمَلُ هُوَ النَّظَرُ فِي شُئُونِ الأَوْلادِ الصِّغَارِ وَأَمْوَالِهِمُ، انْتَهَتْ هَذِهِ الْوِصَايَةُ بِبُلُوغِ الصَّغِيرِ عَاقِلا رَشِيدًا، بِحَيْثُ يُؤْتَمَنُ فِي إِدَارَةِ أَمْوَالِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا، وَلَمْ يُحَدِّدْ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ لِهَذَا الرُّشْدِ سِنًّا مُعَيَّنَةً يُحْكَمُ بِزَوَالِ الْوِصَايَةِ عَنِ الْقَاصِرِ مَتَى بَلَغَهَا، بَلْ هُوَ مَوْكُولٌ إِلَى ظُهُورِهِ بِالْفِعْلِ، وَذَلِكَ عَنْ طَرِيقِ الاخْتِبَارِ وَالتَّجْرِبَةِ، فَإِذَا دَلَّتِ التَّجْرِبَةُ عَلَى تَحَقُّقِ الرُّشْدِ حُكِمَ بِرُشْدِهِ، وَسُلِّمَتْ إِلَيْهِ أَمْوَالُهُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ـ وَإِذَا بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ وَكَانَ عَاقِلا لا تَكْمُلُ أَهْلِيَّتُهُ، وَلا تَرْتَفِعُ الْوِلايَةُ أَوِ الْوِصَايَةُ عَنْهُ فِي مَالِهِ، بَلْ تَبْقَى أَمْوَالُهُ تَحْتَ يَدِ وَلِيِّهِ أَوْ وَصِيِّهِ حَتَّى يَثْبُتَ رُشْدُهُ، وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ـ فَإِنَّهُ مَنَعَ الأَوْلِيَاءَ وَالأَوْصِيَاءَ مِنْ دَفْعِ الْمَالِ إِلَى السُّفَهَاءِ، وَأَنَاطَ دَفْعَ الْمَالِ إِلَيْهِمْ بِحُصُولِ أَمْرَيْنِ: الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ، فَلا يَجُوزُ أَنْ يُدْفَعَ إِلَيْهِمْ بِالْبُلُوغِ مَعَ عَدَمِ الرُّشْدِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا النَّصِّ وَلا فِي غَيْرِهِ تَحْدِيدٌ لِلرُّشْدِ بِسِنٍّ مُعَيَّنَةٍ، بَلْ هُوَ مَوْكُولٌ إِلَى ظُهُورِهِ بِالْفِعْلِ، وَذَلِكَ عَنْ طَرِيقِ الاخْتِبَارِ وَالتَّجْرِبَةِ، فَإِنْ دَلَّتْ عَلَى تَحَقُّقِ الرُّشْدِ كَمُلَتْ أَهْلِيَّتُهُ، وَسُلِّمَتْ إِلَيْهِ أَمْوَالُهُ، وَإِلا بَقِيَتِ الْوِلايَةُ عَلَيْهِ، وَبَقِيَتْ أَمْوَالُهُ تَحْتَ يَدِ وَلِيِّهِ أَوْ وَصِيِّهِ، كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الْبُلُوغِ مَهْمَا طَالَ الزَّمَنُ. انتهى.

وعلم مما سبق أن أخاك إذا كان رشيدا فهو المسؤول الآن عن إخراج الزكاة المتأخرة، وأنه إذا لم يخرجها كان آثما، وأما إن كان غير رشيد فأنت المسوؤل عنها والمخاطب بها، فيلزمك دفعها إن استطعت استرداد المال من أخيك، قال ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في فتاوى نور على الدرب: وإذا كان المانع اليتيم ـ أي المانع من إخراج الزكاة هو اليتيم ـ فاليتيم هو الآثم ولا حكم لمنعه أيضاً، لأن للولي السلطة، فيستطيع أن يخرج الزكاة ولو كان اليتيم ممانعا ما دام اليتيم لم يبلغ رشده. انتهى.

وللفائدة يرجى مراجعة الفتاوى التالية أرقامها: 113211، 121528، 24733.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني