الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف يعامل الابن والده الواقع في بعض المنكرات

السؤال

أنا مع أمي وإخوتي في بلد غير الذي يعيش فيه أبي بسبب عمله, وعندما رجعت علمت أنه يكلم بنات على الفيس بوك, فقلت له: إنني علمت بذلك, فقال لي: ربنا يهدينا كلنا, ثم دخلت على الفيس, ومسحت كل البنات اللاتي عنده, فقال لي: هذا تجسس, وأنا زعلان منك, علمًا أنه يصلي كل الصلوات, ولكن في المنزل, ويصلي النوافل, وعندما أكلمه عن الصلاة في المسجد يقول لي: ركبتي تؤلمني, علمًا أنه يستطيع الصعود والنزول وكل شيء, فأفيدوني - جزاكم الله خيرًا - وهل حرام إذا لم أعد أشعر تجاهه كما كنت سابقًا – كالقدوة -؟ وماذا أفعل؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

ما فعله والدك - غفر الله له - منكر ولا شك، فإن التحدث مع الأجنبيات بلا حاجة تعريض النفس للفتنة، فكيف إذا انضم إلى ذلك وجود صور لهن على الفيس بوك، ونحو ذلك! وراجع الفتاوى: 6402، 1769، 21582.

وأما اطلاعك على حاسوبه، فإن كنت اطلعت في صفحته الخاصة دون إذنه فهذا تجسس لا يجوز؛ قال تعالى: وَلَا تَجَسَّسُوا {الحجرات:12}، وقد نص الفقهاء على أن من شرط الاحتساب ظهور المنكر بلا تجسس؛ قال ابن جزي الغرناطي المالكي في القوانين الفقهية: وَأَن يكون مَعْلُومًا بِغَيْر تجسس, فَكل من ستر على نَفسه, وأغلق بَابه, لَا يجوز أَن يتجسس عَلَيْهِ.

وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ: وأما تسور الجدران على من عُلم اجتماعهم على منكر، فقد أنكره الأئمة مثل: سفيان الثوري, وغيره، وهو داخلٌ في التجسس المنهي عنه، وقد قيل لابن مسعود: إن َّ فلانًا تقطر لحيته خمرًا، فقال: نهانا الله عن التجسس.

ويُستثنى من ذلك ما إذا كان يخشى فوات حرمة، كرجل أخذ رجلاً ليقتله، أو امرأة ليفجر بها، فيجوز التجسس هنا، أفاده ابن رجب. وراجع الفتوى رقم: 119733 .

وأما صلاة الجماعة فالذي عليه الفتوى هو وجوبها، وراجع الفتاوى: 38639، 34242، فناصحه عليها، وذكره بفضلها، وأسأل الله أن يعافيه.

وأما قولك: فهل حرام إذا لم أعد أشعر تجاهه كالأول - كالقدوة -؟ وماذا أفعل؟ فالجواب أنه لا يحرم ذلك، بل هذا شيء ليس في اختيار الإنسان, فالمؤمن يُحب لإيمانه، ويبغض لمعصيته؛ قال ابن تيمية - رحمه الله -: فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ لِيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ, فَيَكُونُ الْحَبُّ لِأَوْلِيَائِهِ, وَالْبُغْضُ لِأَعْدَائِهِ, وَالْإِكْرَامُ لِأَوْلِيَائِهِ, وَالْإِهَانَةُ لِأَعْدَائِهِ, وَالثَّوَابُ لِأَوْلِيَائِهِ, وَالْعِقَابُ لِأَعْدَائِهِ, وَإِذَا اجْتَمَعَ فِي الرَّجُلِ الْوَاحِدِ خَيْرٌ وَشَرٌّ, وَفُجُورٌ وَطَاعَةٌ, وَمَعْصِيَةٌ وَسُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ: اسْتَحَقَّ مِنْ الْمُوَالَاةِ وَالثَّوَابِ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْخَيْرِ, وَاسْتَحَقَّ مِنْ الْمُعَادَاتِ وَالْعِقَابِ بِحَسَبِ مَا فِيهِ مِنْ الشَّرِّ, فَيَجْتَمِعُ فِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ مُوجِبَاتُ الْإِكْرَامِ وَالْإِهَانَةِ, فَيَجْتَمِعُ لَهُ مِنْ هَذَا وَهَذَا, كَاللِّصِّ الْفَقِيرِ تُقْطَعُ يَدُهُ لِسَرِقَتِهِ, وَيُعْطَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَا يَكْفِيهِ لِحَاجَتِهِ. انتهى.

وإنما الواجب عليك بره، فإن البر لا يسقط بمعصية الوالد، بل ولا بشركه، بل ولا دعوته إلى الكفر؛ قال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) {سورة لقمان 14-15}.

فعليك بره، ومن أعظم البر إنكار منكره، بالقول الحسن، والنصائح المباشرة، أو غير المباشرة بحسب المصلحة، ويمكن أن تتواصل مع قسم الاستشارات بالموقع.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني