الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم تخليل شعر الحواجب والرموش والشارب وغسل العينين في الغسل

السؤال

ما حكم تخليل شعر الحواجب والرموش والشارب الخفيف الذي لا يرى إلا بجهد, ولا يمكن رؤيته حتى من مسافة لدى الفتاة؟ وما كيفية تخليله؟ وهل يجزئ الدلك عن ذلك في الحواجب والرموش والشارب؟ وماذا يفعل من كان يتركه جاهلًا بذلك؟ هل عليّ إعادة صلواتي؟ وهل يجب غسل العينين في الغسل؟ وأنا في كثير من الأحيان لا أستطيع التأكد مهما فعلت من أني اغتسلت, فهل يجوز لي أن أغتسل دون أن ألتفت لكل هذا وأعتبر غسلي صحيحًا؟ وهل يجب تخليل شعر الرأس الطويل إلى نهايته لأضمن وصول الماء لكل شعرة, مع أن هذا فيه صعوبة كبيرة بالتأكيد, أم أكتفي بتخليله من جهة الرأس فقط؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:

فشعر الحاجب والرموش والشارب من الشعر الواجب غسله عند الغسل, وفي الوضوء أيضًا لأنه من الوجه, قال ابن قدامة في المغني: وَيَدْخُلُ فِي الْوَجْهِ الْعِذَارُ، وَهُوَ الشَّعْرُ الَّذِي عَلَى الْعَظْمِ النَّاتِئِ الَّذِي هُوَ سَمْتُ صِمَاخِ الْأُذُنِ، وَمَا انْحَطَّ عَنْهُ إلَى وَتَدِ الْأُذُنِ, وَالْعَارِضُ: وَهُوَ مَا نَزَلَ عَنْ حَدِّ الْعِذَارِ، وَهُوَ الشَّعْرُ الَّذِي عَلَى اللَّحْيَيْنِ، والذَّقَنُ: مَجْمَعُ اللَّحْيَيْنِ، فَهَذِهِ الشُّعُورُ الثَّلَاثَةُ مِنْ الْوَجْهِ, يَجِبُ غَسْلُهَا مَعَهُ, وَكَذَلِكَ الشُّعُورُ الْأَرْبَعَةُ، وَهِيَ الْحَاجِبَانِ، وَأَهْدَابُ الْعَيْنَيْنِ، وَالْعَنْفَقَةُ، وَالشَّارِبُ. اهـ.

وإذا كانت تلك الشعور لا تظهر البشرة من تحتها, فإنه يكفي غسل ظاهرها, ولا يجب تخليلها لإيصال الماء إلى باطنها في قول جمهور أهل العلم, قال ابن قدامة في المغني:
وَهَذِهِ الشُّعُورُ كُلُّهَا إنْ كَانَتْ كَثِيفَةً لَا تَصِفُ الْبَشَرَةَ، أَجْزَأَهُ غَسْلُ ظَاهِرِهَا, وَإِنْ كَانَتْ تَصِفُ الْبَشَرَةَ، وَجَبَ غَسْلُهَا مَعَهُ ... اهــ
وجاء في الموسوعة الفقهية: وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الْوُضُوءِ مِنَ الْحَاجِبِ الْكَثِيفِ فذَهَبَ الْجُمْهُورُ - الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ فِي الْوُضُوءِ غَسْل أُصُول شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ إِذَا كَانَا كَثِيفَيْنِ, وَيُكْتَفَى بِغَسْل ظَاهِرِ الشَّعْرِ؛ لأِنَّهُمَا وَإِنْ كَانَا دَاخِلَيْنِ فِي حَدِّ الْوَجْهِ إِلاَّ أَنَّ فِي إِيجَابِ غَسْل أُصُول شَعْرِهِمَا حَرَجًا، وَلأِنَّ مَحَل الْفَرْضِ اسْتَتَرَ بِحَائِلٍ, وَصَارَ بِحَالٍ لاَ يُوَاجِهُ النَّاظِرَ إِلَيْهِ, فَسَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ, وَتَحَوَّل إِلَى الْحَائِل, لَكِنْ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ تَخْلِيل شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ, أَوْ غَسْل بَاطِنِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ: فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يُسَنُّ تَخْلِيل الشَّعْرِ الْكَثِيفِ بِالْحَاجِبَيْنِ فِي الْوُضُوءِ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ، أَمَّا الْمُحْرِمُ فَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لِئَلاَّ يَسْقُطَ الشَّعْرُ, وَقَال الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ: يُكْرَهُ التَّخْلِيل ,وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يُسَنُّ غَسْل بَاطِنِ شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ إِذَا كَانَ كَثِيفًا فِي الْوُضُوءِ, خُرُوجًا مِنْ خِلاَفِ مَنْ أَوْجَبَهُ. اهـــ

وإذا كان خفيفًا تظهر البشرة من ورائه فإن الماء سيصل إليه عند غسل الوجه ودلكه, فلا داعي للوسوسة, ومن المعلوم كذلك أن من صب الماء على وجهه حتى عمه بالغسل وصل الماء إلى جميع ما فيه من الشعر, وبخاصة ما كان خفيفًا.

وأما غسل العين: فإن كنت تعنين داخلها فإنه لا يجب, ولا يستحب, بل ربما كان فيه ضرر, جاء في الموسوعة الفقهية: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُغْسَل مَعَ الْوَجْهِ فِي الْوُضُوءِ بَاطِنُ الْعَيْنَيْنِ؛ لأِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفْعَلْهُ وَلاَ أَمَرَ بِهِ؛ وَلأِنَّهُ شَحْمٌ يَضُرُّهُ الْمَاءُ الْحَارُّ وَالْبَارِدُ. اهــ

ويكفي عند غسل الشعر أن تروي أصوله, ثم تصبي الماء على ما استرسل منه حتى تعميه بالماء, ولا يجب تخليل ما استرسل بالأصابع, وفي صحيح مسلم عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّ أَسْمَاءَ سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غُسْلِ الْمَحِيضِ, فَقَالَ: تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ, ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا, فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا, ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ ..... وَسَأَلَتْهُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ فَقَالَ: تَأْخُذُ مَاءً فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ, أَوْ تُبْلِغُ الطُّهُورَ, ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا, ثُمَّ تُفِيضُ عَلَيْهَا الْمَاءَ.... اهــ مختصرًا، وراجعي الفتوى رقم: 37151.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني