الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما عدم تصورك لفعل بلا نية، فلا إشكال فيه في الأصل، قال العثيمين رحمه الله: قال بعض العلماء: لو كلَّفنا الله عملاً بلا نيَّة لكان من تكليف ما لا يُطاق، فلو قيل: صَلِّ ولكن لا تنوِ الصَّلاة، توضَّأ ولكن لا تنوِ الوُضُوء، لم يستطع، ما من عمل إلا بنيَّة ولهذا قال شيخ الإسلام: النيَّة تتبع العلم، فمن علم ما أراد فِعْلَه فقد نواه، إذ لا يمكن فعله بلا نيَّة ـ وصَدَق ـ رحمه الله ـ ويدلُّك لهذا قوله عليه الصَّلاة والسَّلام: إنَّما الأعمال بالنيَّات ـ متفق عليه، أي: لا عمل إلا بنيَّة، لكن المقصود هنا شيء زائد، وهو التمييز، قال القرافي في كتابه الأمنية في إدراك النية: الْبَاب الرَّابِع فِي حِكْمَة إِيجَاب النِّيَّة فِي الشَّرْع، وَحِكْمَة إِيجَابهَا تَمْيِيز الْعِبَادَات عَن الْعَادَات، أَو تَمْيِيز مَرَاتِب الْعِبَادَات، فَالْأول لتمييز مَا لله تَعَالَى عَن مَا لَيْسَ لَهُ، فيصلح الْفِعْل للتعظيم كالغسل يَقع تبردا وتنظيفا وَيَقَع عبَادَة مَأْمُورا بهَا، فَإِذا نوى تعين أَنه لله تَعَالَى فَيَقَع تَعْظِيم العَبْد للرب بذلك الْغسْل، وَمَعَ عدم النِّيَّة لَا يحصل التَّعْظِيم، وكالصوم يكون لعدم الْغذَاء وَيكون للتقرب، فَإِذا نوى حصل بِهِ التَّعْظِيم لله تَعَالَى، ونظائره فِي الْأَفْعَال كَثِيرَة.
2ـ وَأما الثَّانِي: فكالصلاة تَنْقَسِم إِلَى فرض ومندوب، فالفرض يَنْقَسِم إِلَى مَنْدُوب وَغير مَنْدُوب، وَغير الْمَنْدُوب يَنْقَسِم إِلَى الصَّلَوَات الْخمس قَضَاء وَأَدَاء، وَالْمَنْدُوب يَنْقَسِم إِلَى راتب كالعيدين وَالْوتر، وَغير راتب كالنوافل، وَكَذَلِكَ القَوْل فِي قربات المَال وَالصَّوْم والنسك، فشرعت النِّيَّة لتمييز هَذِه الرتب.
وراجع الفتوى رقم: 43991.
فأنت قصدت الغسل، لكن هل نويت رفع الجنابة أم مجرد التنظف؟ هذه هي النية المقصودة، وأما عبارة: غسل النجاسة من الثوب لا تحتاج إلى نية ـ فلا إشكال فيها، فلو نزل المطر فأزال النجاسة، زالت، مع عدم وجود نية من أحد، وكذا لو غسلها إنسان بنية التنظيف لا التعبد، وراجع الفتوى رقم: 103533.
وأما عبارة: من صلى من غير نية... فمقصودها من غير نية الصلاة المعينة كالظهر، أو الجمعة، أو المقصورة، وقد سبق إيضاح نحوها في الفتوى رقم: 119931.
وراجع أيضاً الفتويين رقم: 63782، ورقم: 175439.
وعليه، فسجود السهو تشترط له النية، ولا تعني النية تذكر سبب السهو، لكن نية السجود بسبب السهو، فلو أن مُصلياً سها ثم سها فزاد سجدة بعد التشهد، فأراد أن يحتسبها من سجدتي السهو لم تجزئه، وهذه النية لا تكاد تفارق مسلما، فلا عسر في استحضارها، وراجع الفتوى رقم: 64871.
وعليه، فكونك سجدت بلا نية ليس بصحيح، بل قد نويت ـ قصدت ـ السجود للسهو، وأما أركان سجود السهو، فقال الحجاوي في الإقناع: وَسُجُودٌ سَهْوٌ كَسُجُودِ صُلْبِ الصَّلَاةِ وَمَا يَقُولُ فِيهِ.
وقد بينا كيفية السجود في الصلاة في الفتويين رقم: 93435، ورقم: 59402.
والفتوى عندنا على عدم وجوب السجود على الأعضاء السبعة غير الجبهة، وراجع الفتوى رقم: 106012.
والطمأنينة ركن في السجود، وانظر الفتويين رقم: 93192، ورقم: 12455.
وأما التشهد لسجود السهو: فقد سبق عدم وجوبه في الفتويين رقم: 146273، ورقم: 24514.
وأما قول: سبحان ربي الأعلى، رب اغفر لي ـ فقد سبق أنهما من واجبات الصلاة، التي تبطل الصلاة بتعمد تركها، وراجع الفتوى رقم: 12455.
فإن نسيهما فلا يجب شيء، لأن سجود السهو لا يشرع لمن سها في سجود سهوه، وراجع الفتوى رقم: 131682.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 8527.
والله أعلم.